بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
من حرف يوحي صوته بأحاسيس شمية. وإذن، فإن هذا المنهج يتميز عن سواه من المناهج بالكشف عن الرابطة الفطرية بين أصوات الحروف العربية وبين الحواس الخمس والمشاعر الإنسانية. أما المنهج الموازي الذي اعتمدته أيضاً في استخراج معاني الحروف من طريقة النطق بها إيماء وتمثيلاً، فإني لم اهتد إليه إلا مصادفة بعد إنجاز هذه الدراسة للمرة الأولى. وذلك عندما أخذت في مراجعة معاني المصادر التي تبدأ بحرف (الفاء). فلقد تبين لي أن تلك المعاني تتجافى مع موحيات الضعف والوهن في صوت الفاء، خلافاً لما نهج عليه العربي في تحديد معاني حروفه وفقاً لصدى أصواتها في النفس. فانتبهت إلى ظاهرة التوافق بين معاني المصادر التي تبدأ بالفاء، من شق وفصل وتوسع ، وبين طريقة النطق بهذا الحرف، كما مر معنا في بحث الجذور الزراعية في الحروف العربية(الحرف العربي والشخصية العربية ص131 ومابعدها).وكما سيأتي لاحقاً في دراسة حرف (الفاء). ب - المرحلة الثانية: وبعد أن أحدد الخصائص الصوتية والإيمائية التمثيلية لكل حرف على وجه مامر معنا في المرحلة الأولى، أقوم باستخراج المصادر التي تبدأ بكل حرف مع معانيها، أقوياً كان الحرف أم ضعيفاً. أما الحروف التي في أصواتها رقة وشاعرية، فلقد نهجت على استخراج المصادر التي تنتهي بها أيضاً، حيث تكون هنا أوحى بمعانيها، كما عمدت إلى استخراج معاني المصادر التي تنتهي ببعض الحروف القوية وكذلك المصادر التي تتوسطها أحرف (ظ-ص-ض-خ-ح-هـ-ع) ، وذلك للتثبت من مدى قوة شخصياتها. وبمقارنة معاني المصادر التي تبدأ بحرف ما مع معاني المصادر التي تنتهي به، تبين لي أن تأثير كثير من الحروف في معاني المصادر يختلف بحسب مواقعه منها، وذلك لتغير تمثيلها الإيمائي أو إيحائها الصوتي في الموقعين. مما يقطع بأن العربي لم يعط أصوات حروفه قيماً رمزية محددة، ولا معاني مطلقة أيضاً، وإنما ترك ذلك لإيحاءاتها الصوتية، ولطريقة النطق بها أنى كانت مواقعها من الكلمة. وهذا يتطلب حساسية سمع ورهافة في الشعور، ونباهة وانتباها دائبين. وهنا لابد لي من وقفة قصيرة لتوضيح نهجي في انتقاء هذه المصادر. لقد اقتصرت تقصياتي على الأفعال أو الأسماء العربية القحّة، مما ليس مولداً بعد عصر الرواية والتدوين، أو معرّباً عن لفظ اجنبي، أو دخيلاً دون تعريب أو عامياً أو اسماً لحشرة أو نبات ليس وصفا لفعل أو اسم . ولقد اخترت من هذه الأفعال والأسماء، ماقدّرت أنه هو الألصق جذوراً بالأرومة الأم. كما اخترت من مختلف معاني المصدر الذي وقع عليه الخيار المعنى الحسي لقربه من أصالة اللفظة العربية وفطريتها، مبتعداً ما أمكنني عن المعاني المجازية وإن كانت هي الشائعة الاستعمال حالياً. وذلك لأن غالبية أرومات الألفاظ العربية قد أبدعت في عهود سحيقة تعود إلى مرحلة الرعي، اقتباساً من أشياء وأحداث محسوسة، أو انفعالات هيجانية فطرية، كما سبق ولحظنا ذلك في بحث (الجذور الغابية والزراعية والرعوية في أصوات الحروف العربية) المرجع السابق ص125ومابعدها ). وهذا المنهج في انتقاء المصادر هو المنهج الموضوعي الصحيح، لأنه هو الألصق بواقع نشأة اللغة العربية، فعندما كان العربي يحتاج إلى التعبير عن معان معنوية مجردة في مراحل ثقافية واجتماعية متطورة لاحقة، كان يجد نفسه مضطراً إلى البحث عن اللفظة المناسبة في جذور مابين يديه من المصادر، مما يتوافر فيها رابطة ما بين الوظيفة المحسوسة للفظة وبين الوظيفة الذهنية للمعنى المجرد المراد، كما في لفظة (عقل) البعير (ربطه بالعقال) على الطبيعة، وعقل الأشياء أدركها على حقيقتها (بذهنه). وهكذا نرى أن الرابطة الذهنية بين المعنيين تتجلى في التماثل بين وظيفة العقال في ربط البعير في موضعه، وبين وظيفة العقل في ربط الأشياء بحقائقها. فالربط إذن هو العامل المشترك بين العقل المجرد والعقال المحسوس، وما أصدقه من حدس فلسفي. وكما في غفر الشيء(ستره) ، وغفر الذنب (محاه) ، واللغة العربية مليئة بهذه الشواهد من الأمثلة. فنادراً جداً مانجد معنى مجرداً ليس مستنبطاً من معنى حسي. وهذه الطريقة التي اتبعها الإنسان العربي بمعرض التعبير عن معانيه الذهنية، تعود أصلاً إلى استحالة تقمص هذه المعاني لإبداع الصور الصوتية الملائمة لها، على مثال ماكان يفعل بصدد الأشياء والأحداث الخارجية المحسوسة . وهذه الظاهرة اللغوية الحسية، ليست مقتصرة على العربية فحسب، وإنما هي مشتركة بين مختلف اللغات السامية(فقه اللغة للدكتور وافي ص13-14).