بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
وما كان أشق عملية اختيار المصادر ومعانيها. فمن ألفين وتسعمئةٍ وستين مصدراً ومشتقاً تبدأ بحرف النون عثرت عليها في المعجم الوسيط مثلا، وقع اختياري على ثلاثمئة وثمانية وستين مصدراً فقط (فعلا أو اسما) اعتبرتها مصادر. ومن المعاني العديدة المتداخلة لكل مصدر، اخترت معنى واحداً، وفي قليل من الأحيان معنيين اثنين، كما أشرت إلى ذلك في المقدمة، وكما سيأتي في دراستها. ثم بعد أن أستخرج المصادر التي تبدأ أو تنتهي بحرف ما على وجه مابينت آنفا، أقوم بتصنيفها في جداول خاصة تجمع بين معانيها رابطة حسية أو معنوية، وذلك للتثبت من أمور ثلاثة: أ-مامدى تطابق الخصائص الصوتية والإيمائية للحروف مع معاني المصادر المستخرجة؟. ب-ما نسبة هذا التطابق؟ وذلك لمعرفة مدى قوة شخصية كل حرف. ج-مامدى التزام الحرف موضوع الدراسة بطبقته الحسية؟. وإذا تجاوزها في بعض المصادر فما الأسباب؟.وهكذا فإن مطابقة الخصائص الصوتية والإيمائية للحروف العربية على معاني جميع المصادر التي تبدأ أو تنتهي بها، إنما هي ميزة موضوعية لمنهجي هذا، لم يجشم أحد من الباحثين نفسه مثل هذا العناء. وفي الحقيقة، إن استخراج جميع المصادر الجذور التي تبدأ بحرف ما أو تنتهي به، على وجه مابينت آنفا، ومن ثم تصنيفها في جداول تجمع بين معانيها رابطة حسية أو معنوية، إنما هو عمل في غاية الدقة والإجهاد والمخاطرة والمسؤولية، يحتاج إلى فريق متكامل من ذوي الاختصاص. ماعلة انطباع اللفظة العربية بطابع الحرف القوى الذي تبدأ به، أو بطابع الحرف الرقيق الذي تنتهي به؟: من البداهة أن يلاحظ العربي ذوالحساسية السمعية فائقة الرهافة في بيئة صحراوية غير ملوثة بالضجيج، أنّ الحرف القوي يأخذ صوته أقصى إيحاءاته في القوة والشدة والفعالية والغلظة، عند مايقع في أول اللفظة. إذ لابد للصوت أن يشد على أي حرف يقع في أولها أكثر مما يشد عليه في وسطها، ليشد عليه أقل مايكون الشد في نهايتها. وهكذا ، فإن الحروف ذات الأصوات الرقيقة لابد أن تكون أكثر ايحاء بالرقة والأناقة والدماثة وما إليها عندما تقع في نهاية الألفاظ. فأصواتها تكون هنا أكثر خفوتا ورقة منها في أي موقع آخر. ولهذا السبب بالذات، لابد أن يختلف تأثير الحرف الواحد، رقيقاً كان أم قوياً في معاني الألفاظ، بحسب موقعه من اللفظة كما سيأتي . وإذن فإن الحروف التي تقع في أواسط الألفاظ تكون غالباً أقل تأثيراً في معانيها. وهذا يتفق مع ماذهب إليه العلايلي، من أن الحرف الذي زيد على الثنائي للانتقال إلى الثلاثي هو الوسط في الأعم الأغلب. أما ابن جني فقد رأى أن الحرف الوسط هو الأقوى. وذلك لأن الفعل في رأيه، يتكرر بتكراره(قسّم. علّم. درّس..)(الخصائص ج2 ص155). وفات ابن جني أن القوة تتجلى بطبيعة الفعل الأول نفسه وليس في تكراره. ليبقى رأى العلايلي هو الأقرب إلى الصحة، وإن كان لنا رأى مخالف كماسيأتي . ولكن هل تكفي هذه الحساسية السمعية لتعليل انطباع (50-92%) من الألفاظ بالخصائص الصوتية لحرف قوى ما تبدأ به ، أو لحرف رقيق آخر تنتهي به؟. فكيف استطاع العربي أن يبدع هذه السلسلة الطويلة من المصادر التي تنطبع معانيها بطابع الحرف الأول أو الأخير، مع المحافظة على دور بقية الحروف في توضيح هذه المعاني وتلوناتها؟؟. كيف تسنى للعربي أن يبدع هذه اللغة على هذه الشاكلة منذ آلاف الأعوام؟. هنا لابد لنا من التسليم برأي علماء اللغة الذين قالوا بأن اللغة العربية بدأت بأصوات الحروف، ثم تدرجت إلى الثنائي فالثلاثي، فكثيرات الحروف. وإذن أصبح من السهل أن نتصور أن العربي عندما أبدع صوت حرف قوي، للتعبير عن معاني القوة والفعالية والشدة (د.ق.ز...) في دور المقطع البسيط من حرف واحد، قد أضاف إليه حرفاً ثانياً يساعده في تلوين معناه في دور المقطعين من حرفين اثنين. ولما كانت معاني الشدة والفعالية هي المقصودة، فلقد كان من البدهي أن يضع الحرف الجديد في آخر المقطعين. كما أن العربي أبقى حرفه القوى هذا في مقدمة المقاطع عندما انتقل به إلى الثلاثي فالمزيدات. وهكذا كان نهج العربي مع الحروف الرقيقة، ولكن بالإبقاء عليها في آخر اللفظة كيما تكون هناك أوحى بخصائص الرقة والليونة والأناقة وما إليها. ليضع الحروف الإضافية الجديدة قبلها عبر تطور اللغة العربية من الأحادي إلى الثنائي فالثلاثي فالمزيدات. وعلى الرغم من ذلك فقد شذّ عن هذه القاعدة ألفاظ كثيرة، لم تنطبع معانيها بخصائص