خصا ئص الحروف العربیة و معانیها نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

خصا ئص الحروف العربیة و معانیها - نسخه متنی

حسن عباس

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ووفاء، ورِفقة رِقَّةٍ وإحاطة وحَنان.
فكانت النون الأنيسة بذلك وحدَها، دنيا
من المشاعر والشعر والموسيقى، لولاها ما
اهتدى الإنسان إلى وترٍ يئنُّ وناقوسٍ
يرنُّ، ولا إلى ناي أو كمان.
الفصل السادس
الحروف الشعورية الحلْقية
الحَلْق: (بتسكين اللام) لغة، هو (مساغ
الطعام والشراب إلى المريء).
والحلّق، كما أنه مساغ الطعام والشراب
إلى المريء، في حركة من الخارج إلى
الداخل، هو أيضاً مسار النفس (بفتح الفاء).
من الحنجرة إلى جهاز النطق، في حركة
معاكسة من الداخل إلى الخارج، فمعظم
النفَس الذي يخرج من الفتحة المزمارية في
الحنجرة يدخل مباشرة في جوف الحلْق، ومنه
يسري إلى مختلف مناطق المدرج الصوتي حتى
آخره في الشفتين، على أن قسماً ضئيلاً من
النفَس يتسرب إلى الأنف، مما يُسهِم في
خنخنة أصوات بعض الحروف، وفي غُنَّة البعض
الآخر كما مر معنا.
وهنا يطيب لي أن أُجري المقارنة بين
النَّفَسِ المنطلق من جوف الصدر، وبين
مياه نبع تنبثق من باطن الأرض.
فكما أن أعضاء النطق على المدرج الصوتي
تأخذ حاجتها من النَّفَس لتشكيل أصوات
الحروف، مخرج صوت بعد مخرج، من أول
الحنجرة، داخلاً إلى آخر الشفة خارجاً؛
فإن الناس يغترفون من ضفتي النبع على
الطبيعة مايُعوزهم من المياه لشتى
الحاجات والأغراض، مأخذ ماء بعد مأخذ، من
منبعه إلى مصبه.
ولكن يطيب لي أن أضبط للقارئ بالمقابل هذه
المفارقة بين النفس ومياه النبع.
فمياه النبع تكون في غاية النقاء والصفاء
لحظة خروجها من باطن الأرض، ثم لا تلبثْ أن
يأخذ بها الكدر والعكر، موقعاً بعد موقع
بمقدار مايبتعد المجرى بها عن فوّهته.
أما النفس، فهو عند خروجه من جوف الصدر
يكون في أول الحلْق مشحوناً بأكبر طاقة من
الانفعالات النفسية التي يعاني المتكلم
منها، وهكذا يتسنى للحروف الحلْقية أن
تمتص هذه الشحنة قبل غيرها من أصوات
الحروف. ولذلك ما أن يتجاوز النفَس جوف
الحلْق حتى تأخذ هذه الشُّحنة في التلاشي
مخرج صوت بعد مخرج، كلما بعد المكان بها عن
جوف الصدر، وطال الزمن، ولو واحداً في
الألف من الثانية.
وإحساساً بهذه الظاهرة الصوتية
الانفعالية، كثيراً ماتمنّى بعضهم أن
يكون له مثل رقبة الجمل، فيمنحه طولُها
فسحة في المسافة والزمن لمراجعة نَفْسِه،
قبل أن يَظهر غضبُه وانفعالُه في صوته
وكلامه.
وهذان المثالان من الموافقة والمفارقة
بين النَفس ومياه النبع، وإن كان الغرض
منهما مجرد التمثيل والتشبيه لتوضيح دور
أصوات الحروف الشعورية الحلْقية في
التعبير عن الانفعالات النفْسية التي
تجيش في الصدر قريباً من فوّهَة الحلق،
فإنهما لا يخلوان من بعض الحقائق.
فقدرة أصوات الحروف الشعورية الحلقية على
التعبير عن الانفعالات النفسية ذاتياً،
تعود بالدرجة الأولى إلى رقة أنسجة غشاء
الحلق وحساسيتها الفائقة، لا إلى قرب
الحلْق من جوف الصدر فحسب، فليس في جهاز
النطق ماهو أقدر من هذه الأنسجة على
امتصاص الاضطرابات والانفعالات التي تجيش
في النفْس (بتسكين الفاء) والصدر معاً،
ليصبَّها المتكلم المنفِعل في أصوات
مهتزة أو مضطربة تجسِّدها تجسيداً أكثر
مما توحي بها إيحاء.
على أن قرب الحلق من جوف الصدر يعطي
الأصوات التي تتشكل فيه فرصة أفضل لتلقي
الانفعال النفسي بحيويته وتلوناته ودقائق
رعشاته.
وهكذا كأني بأنسجة الحلق، بحساسيتها
المفرطة وقربها من جوف الصدر، قد تحولت
إلى مصفاة للانفعالات النفسية في اللسان
العربي، فما تسرب منها إلى مختلف مخارج
أصوات الحروف إلا القليل بعضها لحرف النون
المهتز الصوت تعبيراً عن حالات الخشوع
والألم الدفين، وبعضها لحرف الصاد
الصقيل، لمعاني الصفاء والنقاء، ومابقي
منها لحرف الضاد المفخَّم لما يوحيه من
مشاعر النخوة، مع الإشارة إلى ندرة
المشاعر الإنسانية في معاني المصادر التي
شاركت فيها هذه الحروف كما مر معنا في
دراستها.
وهكذا.. لم يكن عبثاً أن أجّلتُ دراسة
أصوات الحروف الشعورية الحلْقية إلى
مابعد الانتهاء من دراسة بقية الحروف.
فليس ثمة ماهو أعصى منها على تمحيص
الخصائص والمعاني، وفي الإمكان إجمال هذه
الصعوبات بمايلي:
آ- حساسية أنسجة الحلْق:
نظراً لرقة أنسجة غِشاء الحلْق وحساسيتها
المتناهية، فإن أصوات الحروف التي تتشكل
على صفحاتها تتصف على العموم بخاصية
الاهتزاز والاضطراب، بما في ذلك حرف

/ 129