بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
(الغين) الحلقي الذي صنفناه في زمرة الحروف البصرية لمافي طبيعة صوته من موحيات الظلام والغؤور والغيبوبة. وماشذ عن خاصية الاهتزاز هذه سوى حرف الحاء الذي تحول الاهتزاز الرقيق في صوته إلى حفيف وصحل (بحّه). أما الهمزة فصوتها انفجاري معدوم الاهتزاز، وهي مزمارية أصلاً لا حلْقية كما مر معنا في دراستها. ب- خاصية الاضطراب في المشاعر الإنسانية: إن من يدخل في حالة من الحالات الشعورية، سواء أكانت سلبية من فزع أم حزن أو غضب، أم إيجابية من فرح أو شوق أوهوى أوهيام، لابد أن يشيع الاضطراب معها في نفْسه (بتسكين الفاء). ولابد لهذا الاضطراب أن يتسرب إلى جوف الصدر وأنسجة الحلْق، وهكذا فإن الصعوبة التي عاناها العربي الفجر مع أنسجة حلْقه المهتزة بمعرض التعبير عن الانفعالات النفسية المضطربة، لا تقل عما يلاقيه فارس على صهوة جواد يحاول اصطياد طير يطير بسهام قوسه، وهكذا ظل العربي آلاف الأعوام يروِّض حنجرته وسمعه ومشاعره على هذه الرياضة الثقافية البالغة التعقيد، قبل أن ترسُخ قواعد هذه اللعبة الذكية في جملته العصبية جيلاً من الهُزَّاج والشعراء والفصحاء بعد جيل. جـ- تنوع الخصائص الصوتية للحروف الحلقية تبعاً لكيفية التلفظ بها: بحكم رقة الأنسجة الحلقية وحساسيتها الفائقة، وبحكم قربها من جوف الصدر، قد سهل على أصوات الحروف الحلقية أن تتكيف مع مختلف الحالات الشعورية والمعاني المراد التعبير عنها شعورية كانت أم غير شعورية فالرقة والنعومة في أصوات بعضها لمعاني الرقة والكياسة، أما الاهتزاز والاضطراب في أصوات بعضها الآخر، فلِما يحاكيها من الأحداث المضطربة والأصوات المهتزة، وأما الخنخنة فللعيوب النفسية والجسدية ولمعاني التقزز والقذارة والفحش وما إليها. ويزيد الأمر صعوبة في دراسة خصائص أصوات هذه الحروف على واقع المعاجم اللغوية، أنَّ كيفية النطق بصوت الحرف الواحد منها لاتعمل على تغيير إيحاءاته وبالتالي معانيه من حال إلى حال فحسب، كما لحظنا ذلك في حرف الجيم، وإنما قد تقلب معانيه من النقيض إلى النقيض. وذلك لطواعية أنسجة الحلق، وقدرتها على التكيُّف مع المعاني المراد التعبير عنها، كما سيأتي. وهكذا، كان لابد لي من ملاحقة الحروف الشعورية الحلقية في مختلف مواقعها من المصادر لاستكشاف خصائصها الصوتية تبعاً لكيفية النطق بها كما كان لابد لي من الإكثار من الأمثلة للكشف عن كل خاصية منها. وقد يجد القارئ أنِّي أكثرت من الأمثلة ولاسيما من غرائب الكلم أكثر مما ينبغي، إذ ما الجدوى منها على رأيه، وقد حُنِّطت هي ومعانيها في الزوايا الخلفية من المعاجم، لا يسعى اليوم إليها إلاّ منقب متخصِّص بالآثار اللغوية، وما أندره؟ وأردُّ على هذه التُّهمة الصحيحة بأنني قصدت من ذلك (إطلاع) القارئ على مبلغ رهافة أحاسيس العربي وشفافية مشاعره، وعلى نباهته الفطرية وأصالته الفنية بمعرض التعبير عن مقاصده ومراميه، ولاسيما وقد جاء معظم غرائب الكلم للمعاني الرديئة، فصورها العربي في غالب الأحيان بأصوات حروف رديئة الايحاءات، وصبها في صيغ متنافرة التراكيب لا يضاهيه في ذلك أي رسام (كاريكاتوري) معاصر على الإطلاق، كما جاء في المقدمة. فمعذرةً قارئي الكريم، وصبراً جميلاً إنها فرصة العمر، ولن تحظى بمثل فكاهاتها الكاريكاتورية أبداً. د- صعوبة الاهتداء إلى المصدر الجذر: لقد سبق أن لحظت أن العربي كان يلجأ في مراحل تطوره إلى إبداع أصوات حروفه، ومن ثم مختلف المصادر الجذرية للتعبير عن حاجاته الحضارية والثقافية المستجدة، فيشتق منها فيما بعد مايلائم معانيه. ولما كانت كيفية التلفظ بأصوات الحروف الحلقية من شأنها أن تغير في خصائصها ومعانيها إلى حد التناقض أحياناً، فإننا سنلاحظ هذه الظاهرة في مشتقات المصادر التي تبدأ أو تنتهي بها. وهكذا لا يبعد أن نجد معاني مشتقات المصدر الواحد قد توزعت على سلم طويل متدرج من اللمسيات حتى الشعوريات. ولكن بما أن العربي قد أبدع أصوات الحروف الشعورية في مرحلة رعوية راقية خصيصاً للتعبير عن مشاعره الإنسانية، فإنني سأعمد هنا إلى اختيار المشتقات والمعاني التي تتلاءم مع الخصائص الصوتية الأصلية للحرف موضوع الدراسة. وهكذا أتجاوز بذلك القاعدة الحسية التي اعتمدتها في دراسة أصوات الحروف غير الشعورية فلا تُعتَمد هنا المعاني الحسية للمصادر إلا عند الاقتضاء. ولكنني في هذا التجاوز أعود في الحقيقة إلى القاعدة الفطرية الأصل بالذات، مادامت كل لفظة يشارك فيها حرف شعوري، قد أبدِعت في مرحلة راقية من مراحل الإنسان