ونحن بحاجة دائماً إلى شرح وبيان معالم
هذا الخط وأركانه وخصوصياته من أجل أن
نحاكم أعمالنا وسلوكنا وأداءنا على
أساسه، لأنه عندما يكون الخط واضحاً لدينا
نستطيع أن نحصّن المسيرة الإسلامية
إيمانياً وفكرياً وثقافياً وسياسياً وفي
الالتزام والأداء.
وإن هذا الكتاب (خط الإمام) هو بحث كان قد
قدمه العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي
للمؤتمر التاسع للقدر الإسلامي الذي
انعقد في طهران بين 23 ـ 26 رجب 1412هـ وقد نشره
المؤتمر آنذاك على نطاق محدود، ورأينا في
مركز الإمام الخميني الثقافي إعادة نشره
تعميماً لفائدته، كونه يكشف عن بعض جوانب
خط الإمام وتاريخ هذا الخط ومعالمه
وأركانه وقيمته ومصادره وإنجازاته، ويشرح
بشكل موجز تلك الخصوصيات التي أشار إليها
الإمام القائد (دام ظله الوارف) في كلماته
المتقدمة عن خط الإمام، سائلين المولى
عزَّ وجلّ أن ينفع به المجاهدين السائرين
على هذا الخط المستقيم إنه نعم المولى
ونعم النصير.مركز الإمام الخميني الثقافي
10 / ذو القعدة / 1420هـ
15/2/2000م
خط الإمام
من أهم مكاسب الثورة الإسلامية ظهور خطسياسي إسلامي، يعبر عن مواقفنا
الاستراتيجية السياسية والجهادية،
ويرتبط بمواقعنا وأصولنا الفكرية
والإيمانية، وذلك هو خط الإمام الخميني
(رضوان الله عليه)، قائد الثورة الإسلامية
الكبرى في عصرنا ومؤسس الجمهورية
الإسلامية.
ولا شك أن ظهور خط الإمام حدث سياسي هام،
يستحق دراسات واسعة وتحقيقية، فلأول مرة
في العصر الحاضر يكون لجهادنا السياسي، خط
سياسي محدد المعالم، واضح الاتجاه.
وقد ظهر مصطلح "خط الإمام" لأول مرة عند
احتلال السفارة الأمريكية، من قبل الطلبة
المسلمين، الذين سموا أنفسهم بـ "الطلبة
السائرين على خط الإمام" ومنذ هذا التاريخ
دخل هذا المصطلح في قاموس الثورة، إلاّ أن
مضمون خط الإمام، والمحتوى السياسي
والفكري، لهذا المصطلح كان موجوداً في عمق
الثورة، قبل ذلك بزمان بعيد.
لقد جمعت الثورة في مسيرتها كل الغاضبين
والناقمين على النظام الشاهنشاهي في
بداية السير من أقصى اليمين إلى أقصى
اليسار وكان للنظام الملكي أعداء ومناوؤن
سياسيون كثيرون، جمعتهم الثورة الشعبية
العارمة. وكل يمنيّ نفسه أن يحتوي الثورة،
بعد أن تحقق هدفها، وسقط النظام الملكي
العتيد.ورغم أن قيادة الثورة كانت خلال المسيرة
للإمام الخميني (رضوان الله عليه) بلا
منازع، فقد كانت الثورة تستوعب كل الأطراف
السياسية المعارضة للشاه، على أمل أن تحقق
الثورة سقوط النظام لتبدأ الجولة الثانية
من الصراع السياسي الحاد، لاستيعاب
واحتواء الثورة.
فلما حققت الثورة هدفها وسقط النظام
الملكي تحت أقدام الشعب الثائر وسحبت
تماثيل الملك، من الساحات والميادين بدأ
صراع جديد، حول القيادة الجديدة، التي
تخلف النظام الملكي، ودخل الحزب الشيوعي،
والأحزاب اليسارية الماركسية، والأحزاب
الوطنية، والجماعات الإسلامية ـ
الماركسية، والأحزاب القومية في المعترك
السياسي، لاحتواء الثورة، أو تقسيم
الميراث، وأخذ الصراع شكلاً حقيقياً،
ولولا هيمنة الشارع الإسلامي على الثورة
وقوة نفوذ قيادة الإمام، لكان الصراع يأخذ
شكلاً مخيفاً.
وفي هذه المرحلة تمايزت الخطوط السياسية،
وتميَّز من بين هذه الخطوط "خط الإمام"، كخط
سياسي واضح المعالم والاتجاه، واجتذب هذا
الخط، دون سائر الخطوط، جماهير الأمة،
وعزل سائر الخطوط عن الساحة السياسية.
ولسوف نتناول، في هذه المقدمة، تاريخ،
وخصائص ومكاسب وضريبة وقيمة، ومعالم،
ومصادر، خط الإمام بشكل موجز إن شاء الله
تعالى.
لمحة تاريخية
في غفلة من أجهزة الرصد السياسيللاستكبار العالمي ـ الشرقي والغربي ـ كان
ينمو في العالم الإسلامي وعي سياسي إسلامي
أصيل، وبصورة هادئة، وهيّأ الله تعالى هذا
الوعي السياسي أن ينمو نمواً سوياً، ويأخذ
حظه من النضج. فقد تكوّن هذا الوعي على شلك
صحوة سياسية، في العالم الإسلامي في
الطبقة المؤمنة المثقفة بصورة محدودة، ثم
تحوّل إلى وعي سياسي وتوسّعت مساحته،
وشملت مساحات كبيرة من الأمة، وتحول في
جسم الأمة إلى حركة واعية باتجاه عودة
الإسلام إلى الحياة من جديد وتفاعلت هذه
الحركة في جسم الأمة وتحولت إلى انتفاضة
شاملة في إيران، ولبنان، والعراق، ومصر،