مملکة الکراسی الخشبیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مملکة الکراسی الخشبیة - نسخه متنی

محمد محیی الدین مینو

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بكتْ يومئذٍ العصافيرُ، وهاجرتْ إلى
بلادٍ بعيدةٍ بعيدةٍ.
النّورس التّائه
اعترضَ نورسٌ طريقَ موجةٍ في عُرْضِ
البحرِ، فاكْفَهَرَّ وجهُ الموجةِ، وعلاه
الزَّبَدُ. هاجتِ الموجةُ، وماجتْ، ولكنّ
النّورسَ لم يأبه لها، بل أمعنَ في
اللَّحاقِ بها، ثمّ حطَّ على ظهرِها،
وأرادَ أن يستريحَ من عَناءِ الطّيرانِ
الطّويلِ قليلاً.
صرختْ في وجهه، وقالتْ:

-"إلامَ تعترضُ طريقي، أيّها النّورسُ؟".
جَفَلَ النّورسُ، وفَزِعَ، وقالَ
متلعثماً:

-"أنا تائهٌ في هذا المدى المَخوفِ، لا
أعرفُ طريقاً إلى الشّاطئ. غفوتُ هنيهةً،
وحين فتحتُ عينيَّ، افتقدتُ سِرْبَ
النّوارسِ. أنا وحيدٌ، أيّتها الموجةُ، لا
أبَ لي ولا أمَّ، ولا صديقَ لي سواكِ".
قالتِ الموجةُ، وهي تهيجُ، وتموجُ غضباً:

-"ابتعدْ عن طريقي، أيّها النّورسُ،
وابحثْ عمّن يحملُكَ إلى الشّاطئ،
فالبحرُ كبيرٌ، والأمواجُ كثيرةٌ".
قال النّورسُ، وهو يركبُ ظهرَ الموجةِ،
ويتودّدُ إليها:

-"أنا متعبٌ، أيّتها الموجةُ، لا أقوى على
الطّيرانِ. سأكونُ صديقَكِ الودودَ،
وسأحكي لكِ قصّةً جميلةً، هي قصّةُ هجرةِ
النّوارسِ من بلادِهم الباردةِ إلى بلادٍ
دافئةٍ".
أزْبَدَتِ الموجةُ، وراحتْ تتقلّبُ
غيظاً، وتتململُ سُخطاً، حتّى كادَ
النّورسُ أن يغرقَ، فطارَ عنها، وحلّقَ
ببصرِه إلى بعيدٍ، وهو يضربُ بجناحيهِ
خوفاً وهَلَعاً، فرأى شاطئَ البحرِ،
ولمحَ سِربْاً من النّوارسِ يتطايرُ هنا
وهناك، والأمواجُ تتكسّرُ على الشّاطئ
موجةً في إثرِ موجةٍ، ثمّ ترتدُّ،
وتتلاشى.
من بعيدٍ..
أبصرَ النّورسُ الموجةَ، وهي تقتربُ من
الشّاطئ، وتلهثُ من التّعبِ لهاثاً
مسموعاً، فطارَ إليها، وحنا عليها قائلاً:

-"لن أنسى فضلَكِ عليَّ، ولن أنساكِ ما
حييتُ".
هدأتِ الموجةُ، واطمأنتْ، ثمّ تراجعتْ
رويداً رويداً إلى عُرْضِ البحرِ، وهي
تترقّبُ بلهفةٍ عودةَ ذلك النّورسِ
التّائهِ إلى بلادِه يوماً ما.
دبي في 25/2/1999
أحلام سمكة سَلْمُون
قرّرتْ يوماً سمكةُ سَلْمُون أن تعودَ
إلى بلادِها البعيدةِ، فلوتْ رأسَها،
وحدّقتْ بعينين دامعتين إلى الخلفِ، فلم
ترَ إلاّ نهراً دافقاً، يهدرُ ماؤه
كالرّيحِ في ليلةٍ عاصفةٍ، فيملأُ القلبَ
هَلَعاً وخوفاً.
أسرّتِ السّمكةُ ما عزمتْ عليه، وراحتْ
تتحيّنُ الفرصةَ للعودةِ، ولكنّ النّهر
لم يسكنْ، ولم يهدأْ. انتظرتْ يوماً، ثمّ
انتظرتْ أسبوعاً فشهراً، والنّهرُ
يتدفّقُ غزيراً، ويوغلُ في السّهولِ
والوديانِ، فتبتعدُ السّمكةُ عن بلادِها
أكثرَ فأكثرَ.
ضاقتْ السّمكةُ بالنّهرِ ذَرْعاً،
فسألتْه بحَنَقٍ وغضبٍ:

-"إلى أين، أيّها النّهرُ؟".
أجابَ النّهرُ بصوتٍ هادرٍ كالعاصفةِ:

-"هناك حقولٌ وبساتينُ عطشى، تنتظرني منذ
زمنٍ بعيدٍ".
قالتْ سمكةُ السَّلْمُونِ:

-"أريدُ أن أعودَ إلى بلادي حالاً".
قالَ النّهرُ، وهو يضحكُ:

-"سيجرُفُكِ التيّارُ إلى أمامٍ، ولن
تقدري على الرّجوعِ خطوةً أو خطوتين إلى
الوراءِ".
قالتْ السّمكةُ في أسى وحزنٍ:

-"اِهدأ قليلاً، أيّها النّهرُ الودودُ،
وحاولْ أن تساعدَني مثلما تساعدُ أهلَ
القرى، أينما سرتَ، وكيفما اتجهتَ".
قال النّهرُ:

-"طريقُنا طويلةٌ، والثّلوجُ على رؤوسِ
الجبالَ كثيفةٌ، تذوبُ أيّامَ الرّبيعِ،
فيفيضُ الماءُ، ويتدفقُ هادراً. أيّتها
السّمكةُ الطّيبةُ، سنمضي حيثُ تتشقّقُ
الأرضُ عطشاً، ويتضوّرُ النّاسُ جوعاً،
ونحن خيرٌ وحياةٌ للأرضِ وللنّاسِ. قدرُنا
واحدٌ، وهو أن نسيرَ معاً إلى أمامٍ حتّى
النّهايةِ، فلا نلتفتُ إلى الوراءِ
أبداً".
بكتْ يومئذٍ السّمكةُ، بكتْ حتّى فاضَ
النّهرُ، وكاد أن يُغرقَ القرى، ولكنّها
ذاتَ صباحٍ أحسّتْ أنّ النّهرَ قد ضَحَلَ
ماؤه وقلَّ، فعزمتْ على العودةِ إلى
بلادِها، والبلادُ خلفَها تنأى، وتبتعدُ،
فلا يبقى منها إلاّ حُلُمٌ وذكرى.
تقاوتْ سمكةُ السَّلْمُونِ، وارتدّتْ
إلى الوراءِ، وراحتْ تسبحُ عكسَ التيّار
بسرعةٍ، والتيّارُ يصدّها مرّةً، ويرأفُ
بها مرّةً أخرى، حتّى قطعتْ سهولاً،

/ 7