بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
تأليف : الدكتور رجا سُمرين علي دُمَّر شاعر الحب والغربة والحنين دراســـــة تمهـــــــيد لماذا هذه الدراسة؟! تجيءُ هذه الدراسة وفاءً بعهدٍ مشترك كان كل منا -علي دُمَّر وأنا- قد قطعه على نفسه. ففي ليلة مقمرة من ليالي القاهرة الساحرة في صيف عام 1953 حيثُ كنا نَتَرَيَّضُ على "كرنيش النيل". بالقرب من فندق سميرا ميس- توقَّف علي فجأة ثم التفت إليَّ بعد أن توقفت لتوقفه ليفاجئني بسؤالٍ لم أكن أتوقعه. قال -رحمه الله-: "يارجا، هل ترى من عيبٍ في هذا الجمال الساحر الذي يأخذ بالألباب، ويحيط بنا من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم؟!". قلت -وقد أخذتني الدهشة من سؤاله- :"أجل ياصديقي، لاشك أنَّ هنالك عيباً ما في هذا الجمال الذي نراه، فما من مخلوق يخلو من العيوب لأن الكمال للخالق وحده. قال: "أصبت ورب الكعبة، ولكن هل يمكنك أن تذكر لي ولو عيباً واحداً في هذه اللوحة الرائعة التي تشاركني متعة تأملها واستلهامها في هذه اللحظات؟". قلت -وبدون تردد-: "لعل أبرز عيوبها يا عليّ هو أنها غير خالدة، وأنها مهما عُمِّرت فلابد أنها إلى زوالٍ تصير". قال: "صدقت والذي برأ هذه الروعة المذهلة. إن هذه الفكرة هي التي راودتني وأنا أتأمل معك هذا الجمال الأخّاذ الذي تفنّن الخالق في صنعه". قلت: "هل كان لزاماً عليك أن تُعكّر صفونا بذكر عيوب الدنيا ونقائصها؟! إنك تحفظ مثلي -ولاشك- قول أبي البقاء الرندي: لكل شيءٍ إذا ماتمَّ نقصانُ فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسانُ قال: "هوِّن عليك ياصديقي فإن لي هدفاً من وراء هذا الحوار لن ألبث أن أفضي به إليك". قلت: "هكذا أنت دائماً تأبى إلا أن تتفلسف، وما أرى إلا أن دراسة الفلسفة قد أثّرت في تفكيرك أيّما تأثير". قال: "دعك من هذا، فلست بأقلّ مني تفلسفاً ومحاكمةً للأمور، ولتعلم أن بين الشعر والفلسفة نسباً وصهراً لا ينفصمان". قلت: "أنا لاأختلف معك في ذلك، ولكن أليس لهذا الحوار السقراطيّ من نهاية؟!". قال: "لن أطيل عليك أكثر من ذلك، فأنا أعرفك متسرعاً، قليل الصبر، ضيّق العَطَن، تُؤْثِرُ الوصول إلى النتائج بأسرع وقت، وأقصر سبيل". قلت: "وعلى الرغم من علمك بصفاتي هذه، فإنك لازلت ممعناً في اللف والدوران، وفي حوارك هذا الذي لايجلب غير الهم والغمّ". قال -وقد رسم على شفتيه ظل ابتسامة ساخرة- "قُلْ لي بربك، أيُّ أجزاء هذه اللوحة الربانية أسرع إلى الزوال؟!". قلت: "لاشك أنها أنا وأنت وهذه الأشباح التي تشاركنا متعة التريُّض على شاطئ النيل الخالد في هذه الأمسية الرائعة.". قال: "هذا ماأردت الوصول إليه". قلت: "وهل يستحق الوصول إلى هذه البدهيّة البسيطة كل هذا العناء؟!". قال: "أعرف أن ذلك من البدهيات، ولكني أردت أن ألفت انتباهك إليها ليقطع كلُّ منا على نفسه عهداً يسأل عن الوفاء به يوم القيامة!". قلت: "لطفك اللهم، ماأرى إلا أنه عهد عظيم، وقد آن لك أنت تطلعني عليه، ولتعلم قبل كل شيء أنني ما كنت بالذي يخفر لك ذمّة، أو ينقض لك عهداً، أو يخلف وعداً يا أبا أنس". قال: "ماشككتُ لحظةً واحدة في خصالك هذه، ومن أجل ذلك أريدك أن تعاهدني على أن تكتب دراسة وافية عن شعري إذا لقيت وجه ربي قبلك، وأنا أعاهدك بدوري على أن أفعل مثل ذلك إذا قضيت قبلي -لاسمح اللّه-" قلت وقد أحسست بقلبي يغوص بين ركبتي: "ويحك يارجل، إن هذا الأمر لايحتاج إلى عهود ووعود، إذ ليس يخامرني شك في أنك ستتصدى لدراسة شعري إن أنا فارقت هذه الدنيا قبلك، وأنني سأنهض بمثل ذلك إن لحقت بمن سبقك من الشعراء قبلي." قال: "قد يكسر الحزن قلب من يبقى منا بعد صاحبه، وقد يلجم الأسى لسانه، ويشلّ تفكيره فلا يفعل. ومن أجل ذلك أريدك أن تعاهدني حتى أطمئن إلى وفائك لأنني لا أجد بين أصدقائي من الشعراء والنقاد من يفهمني ويفهم شعري مثلك". قلت: "أعاهدك على ذلك على الرغم من أنك قد عكّرت صفو ليلتنا هذه بذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات". قال: "وأنا أعاهدك على مثل ماعاهدتني... الحمد لله.. الآن قد اطمأنت نفسي". ووقف الحوار حول هذا الموضوع عند هذا الحد. ثم رحنا نخوض في أحاديث شتّى لم تستطع على تنوعها وطرافة معظمها أن تبدد سحابة الكآبة التي ظلّلتنا نتيجةً لذلك الحوار المضمّخ برائحة الموت. وينتقل علي دمر إلى جوار ربه، وأبدأ