بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
وإذا اختلفوا وتنازعوا في الحقوق رجعوا إليه للقضاء بينهم. وقد كان بعضهم جامعاً بين مقام الإمارة والفتوى وإن كان هذا قليلاً بينهم، ومن هنا يتضح حال مقبولة عمر بن حنظلة وأنه لا عجب أن يكون صدره في القضاء وذيلها في الإفتاء. ثمّ إنه لمّا اتسع نطاق الفقه والعلم انفصل مقام القضاء عن الإفتاء، فقد كان هناك فقهاء عارفون بالأحكام يراجعهم الناس في كلّ بلد وإن لم يكونوا من القضاة فقد قال الصادق (عليه السلام) ـ كما في الحديث ـ لبعض أصحابه: «أحب أن تجلس في مسجد المدينة وتفتي الناس». نعم، الاجتهاد في تلك الإعصار كان بسيطاً جدّاً بالنسبة إلى عصرنا هذا، يكفيه معرفة اللغة ومعرفة الحديث والرواية وحكم التعارض بين الأحاديث وشبه ذلك. وما قد يتوهّم أن الاجتهاد والاستنباط لم يكن في تلك الأيّام بل كانوا يكتفون بنقل الأحاديث المأثورة باطل جدّاً، لأن الأحاديث كانت متعارضة، وكلمات أهل اللغة في تفسير بعض الآيات كانت متضاربة، إلى غير ذلك ممّا يحتاج إليه في الإحاطة بمسائل الأصول والفقه واللغة وغيرها، ومن ينكره إنّما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان. هذا كلّه بالنسبة إلى الأحكام. أمّا الموضوعات: فهي على أقسام ثلاثة: 1 ـ الموضوعات المستنبطة: كالمركبات الشرعية مثل الصلاة والصيام والحجّ التي تستفاد أجزائها وشرائطها من أدلّة الشرع، وفي الحقيقة البحث عن هذه الموضوعات يعود إلى البحث عن أحكام أجزائها وشرائطها وموانعها، وقد حقّق في محلّه أن هذه الأمور منتزعة عن الأحكام الشرعية الواردة في مواردها من الأمر والنهي، لا أنها مجعولة بذاتها، فالتقليد فيها تقليد في الأحكام واقعاً. 2 ـ الموضوعات العرفية غير المستنبطة، وهي على قسمين: قسم منها ظاهرة واضحة يقدر المقلّد على معرفتها كالماء المطلق والمضاف والدم والبول وأشباهها، ولاشكّ أن معرفة حالها بيد المقلّد الذي هو من أهل العرف، حتّى لو خالف علمه علم المرجع والمفتي يعمل بعلمه، ولا يعتنى بقوله، والوجه فيه أنه لا فرق في ذلك بينه وبين مرجعه، فإذا خالفه في علمه بالموضوع لزمه العمل بعلم نفسه فقط. وقسم آخر الموضوعات العرفية الخفية ممّا تحتاج في فهمها وفهم مصاديقها إلى دقة النظر، وسلامة الذوق، والممارسة والإحاطة بهذه الأمور، فهذا أيضاً يرجع المقلّد فيه إلى مجتهدة، وكثير من المسائل الفرعية في الكتب الفقهية والرسائل العملية من هذا القبيل، فليس فيها كشفاً لحكم شرعي، واستنباطاً من الأدلة الشرعية، بل يكون من قبيل تطبيق الكلي على أفراده، وتعيين الموضوعات الخفية ولو لم يجز التقليد في أمثالها كان ذكر هذه الفروع في الرسائل العملية لغواً بل إغراء بالجهل. مثلاً فقد ورد في غير واحد من الأحاديث أن السجود جائز على الأرض وما أنبتت إلاّ ما أكل ولبس. والحكم مطلق واللفظ عام شامل ومفهومه ظاهر، ولكن مع ذلك فقد وقع الشك في شمولها لبعض الأمر كقشر الفواكه والأدوية والعقاقير والشاي قبل أن يطبخ وما يكون مأكولاً في بلد دون بلد، أو ملبوساً كذلك، وكذا في ما ليس كذلك بالفعل ولكن يكون مأكولاً أو ملبوساً بالقوّة، إلى غير ذلك من الفروع الكثيرة التي أوردوها في الكتب، ولا يقدر العامي على استنباط أحكامها، فعلى الفقيه ملاحظة حال هذه الفروع و صدق هذين العنوانين عليها وعدمه، فإن غالب العوام غير قادرين على الدقة في هذه الأمور، ولكن الفقيه لمزاولته هذه الفروع وأمثالها قادر على أخذ حقيقة? هذه الأمور من أعماق أذهان أهل العرف وردها إليهم، ولا عجب في ذلك فتدبّر جيداً. وكذلك لاشكّ أن مسافة القصر ثمانية فراسخ كما دلت عليه النصوص، ولكن في صدقها على الثمانية الدورية أو المرتفع في الجو أو في أعماق الأرض غموضاً يتصدى لرفعه الفقيه. وكذا يظهر من بعض الروايات كفاية المحاذاة للمواقيت وأفتى به الأصحاب، ولكن وقع الكلام في أن المواقيت الخمسة (مسجد الشجرة والجحفة وقرن المنازل ويلملم والعقيق) محيطة بالحرم بحيث ينتهي كلّ طريق إلى أحدها، أو ما يحاذيها أو لا تكون كذلك، حتّى يقع الكلام في حكم مثل هذا الشخص وأنه هل يجب عليه الإحرام من أدنى الحلّ أو غيرها، فهذا وإن كان من الموضوعات الخارجية ولكن إدراكها لأكثر العوام مشكل، فعلى الفقيه بذل الجهد فيه ولو بالرجوع إلى أهل الخبرة ثمّ الفتوى بما تقتضيه الأدلّة بعد إحراز الموضوع، إلى غير ذلك ممّا هو كثير. بقى هنا شيء ـ وهو أنه هل الإفتاء للفقيه