بالنهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحدة
منهما وأما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) حتى تأذى به أهل
المدينة فقالوا لها قد آذيتينا بكثرة
بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر
الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف
وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين (عليه
السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع
بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له:
جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك
أن تكون من الهالكين قال : إنما أشكو بثّي
وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون
إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني
لذلك عبرة لي . بحار الانوار43/155/باب7 .
(2) عن ابي بصير قال كنت عند أبي عبد الله
(عليه السلام) أحدثه فدخل عليه ابنهُ فقال
له مرحباً وضمّه وقبّله وقال حقّر الله من
حقّركم وانتقم الله ممن وتركم وخذل الله
من خذلكم ولعن الله من قتلكم وكان الله لكم
ولياً وحافظاً وناصراً فقد طال بكاء
النساء وبكاء الأنبياء والصديقين
والشهداء وملائكة السماء ثم بكى وقال يا
أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين (عليه
السلام) أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى
أبيهم وآلهم ، يا أبا بصير إن فاطمة (عليها
السلام) لتبكيه وتشهق ، فتزفر جهنم زفرة
لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها وقد
استعدّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق إلى
أن قال : فلا تزال الملائكة مشفقين يبكون
لبكائها ويدعون الله ويتضرعون إليه إلى أن
قال قلت : جعلت فداك إن هذا الأمر عظيم قال
غيره أعظم منه ما لم تسمعه ثم قال : يا ابا
بصير أما تحبُّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمة
(عليها السلام) فبكيت حين قالها فما قدرت
على المنطق وما قدرت على كلامي من البكاء .
مستدرك الوسائل 10/314-315 . وقال الإمام
الصادق (عليه السلام) لزرارة : وما عين أحب
إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه -
الإمام الحسين (عليه السلام) - وما من باك
يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه و
وصل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وأدّى حقّنا وما من عبد يحشر إلا وعيناه
باكيةٌ إلا الباكين على جدي الحسين (عليه
السلام) تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون
سوء يوم الحساب . مستدرك الوسائل 10/314 .
فلسفة الشعائر الحسينية
كثر في الآونة الأخيرة الكلام حولالشعائر الحسينية ، ولسنا هنا في
معرض دراسة ومناقشة الأسباب التي تخـفت
وراء هذا الكلام ، بل نسعى إلى ان نميط
اللثام عن بعض النقاط غير الواضحة لدى
كثيرين ممن يخوضون في هذه الأمور الدقيقة
ويثيرون حولها النقاشات والحوارات التي
قد تزيد الطين بلة وتسدل على الحقائق
أستاراً وحجباً لعدم استنادها إلى المنهج
العلمي وانحدارها إلى التذوق الحسي
والانفعال العاطفي ليس غير.
ومن متابعة هذه الحورات وتقصي محاورها
وجدناها على الأكثر تنصب في شقين :
الشق الاول :
حول الجانب الفقهي ومدى مشروعية هذهالشعائر ومن خلاله التعرض إلى الجانب
التأريخي لها ، والمفجع في الامر تداول
هذا الجانب لدى عامة الناس وابداء الآراء
الشخصية فيه ، وكأن لا وجود لأهل الاختصاص
الذين يجب أن نرجع إليهم في مثل هذا النوع
من الأمور ، ونعلم من خلالهم مدى مشروعية
هذه الشعائر وكيفية التعامل معها من جهة
شرعية ، وأهل الاختصاص هم مراجعنا في
التقليد رحم الله الماضين منهم وحفظ
الباقين ذخراً لهذه الأمة ولنصرة هذا
الدين.
والمتتبع لآراء فقهائنا يستطيع ان يرى
بوضوح وجلاء تام ان مراجعنا وعلى مدى
التسلسل التاريخي لهم لم يظهر فيهم من
يحرم هذه الشعائر بل في أقل التقادير
ذهبوا إلى اباحتها والكثير منهم ذهب إلى
استحبابها شرعاً وإنها من الأمور التي
تبين مدى مظلومية أهل البيت (عليهم السلام)
، كما انها من مظاهر الجزع على ابي عبد الله
الحسين (عليه السلام) ، هذا إلى جانب أنه لا
يوجد دليل واحد على عدم مشروعية هذه
الشعائر الحسينية ، وأعني دليلاً فقهياً
يعتد به ، أما الحديث عن أدلة من مثل ان هذه
الشعائر غير إنسانية وما شابه فهو حديث
خرافة ساقط عن الاعتبار وما هذه البالونات
المثارة من حوله إلا تخرصات لا يمكن
اعتمادها كأدلةٍ فقهيةٍ وقد نوقشت
وأمثالها من قبل فقهائنا الأجلاء ، بما
يكفي الباحث مؤونة الرد عليها.
كما ان هناك الكثير من المطبوعات التي
تشير إلى الأدلة الشرعية التي اعتمدها
فقهاؤنا في هذه المسألة.
والتكليف الشرعي أمام هذه الشعائر بتعدد
أنواعها يرجع فيه الشخص إلى مرجع تقليده ،
وليس إلى رأيه الشخصي وتشخيصه الموضوعي ،
فكما نعلم ان في جميع الرسائل العملية
لمراجعنا (حفظهم الله) العبارة التالية :
عمل العامي بلا تقليد باطل.