لمحات من حياته وأعماله ومنهجه التفسيريبقلم/ وصفي عاشور أبو زيدباحث في العلوم الشرعيةدار العلوم - القاهرة من التنزيل العزيزبسم الله الرحمن الرحيم(ولا تحـسبنَّ الذين قُتِلُـوا في سبيـل الله أمواتًـا بـل أحيـاءٌ عند ربـهم يُرزَقــون) تقديم الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد:فإنه من دواعي الغبطة والخجل ، والإقدام والإحجام في آنٍ معًا أن أكتب - وأنا القليل الصغير - عن المفكر الكبير ، والمفسر الملهم شهيد الإسلام سيد قطب عليه رحمة الله ورضوانه. لقد تهيأت له ظروف ، وقُدرت له أقدار جعلت منه هذا المفكر الكبير ، وصنعت منه ذلك المفسر الملهم ، وجعلت لكتابه مكانة ذات بال في خريطة التجديد التفسيري. عمل في مقتبل عمره بالدرس الأدبي، فكان أديبًا عملاقًا، وناقدًا عبقريًّا؛ ثم اتجه اتجاهه الإسلامي ، ونذره القدر للعيش في ظلال القرآن، فقبع في زنزانة أصقلت روحه ، وقوَّت عقيدته ، وتسلح فيها بالسلاح الذي ينبغي أن يتسلح به كل مفسر للقرآن الكريم . ذلكم هو سلاح التقوى. لقد أحسن عبد الناصر صنعًا - من حيث لا يقصد - حين قذف بالبريء الأعزل في غياهب السجن ؛ ليكون السلاح الذي استخدمه لكبت نشاطه ، وقتل قلمه هو نفس السلاح الذي جعل الله منه - بقدرته - أكبر عامل لانتشار فكره وانطلاق قلمه ؛ فيسُح سحًّا بكلام فيه روح الإلهام وإلهام الروح ، ليَخْرُج لنا هذا التفسير الجديد الذي سيظل درة العقد التفسيري على مر العصور. لقد خدمه ذوقه الأدبي الرفيع - أيَّ خدمه - وهو يعيش في ظلال كلام رفيع ، فجاء تفسيره ثروة إسلامية - بمفهوم اللفظ الواسع - لا يستغني عنها مسلم معاصر. وحاولت ألا تأخذني به العاطفة - وكثيرًا ما تأخذ الباحثين عند الكلام عنه - متحريًا - قدر الإمكان - الحيدة والموضوعية ، ومحتكمًا في كل فكرة وكل رأى إلى كلامه. كما تراوح النقل في معالجة القضايا بين الطول والقصر ، وكثير منه كان طويلاً على غير ما توصي به الدراسات الأكاديمية ؛ وذلك لظروفٍ اقتضاها الكلام ، ولطبيعة الشهيد في تعبيره المُسْهَب الفياض. وربما يقال :إنك ستنطلق من منطق المحب لا منطق المحايد الموضوعي الناقد . وأبادر فأقول :وماذا علينا لو أحببنا علماءنا ومفكرينا ، وأكْبرناهم وأعْظمناهم ، وبوَّأناهم من قلوبنا المكانة اللائقة بهم ، ما دام هذا الحب لا يُعمي ولا يُصم ، وما داموا هم أهلاً للإكبار والإعظام؟. إنني أزداد - إن شاء الله - بحبي للشهيد تقربًا إلى الله ، وبكتابتي عنه فخرًا عند الناس ، وبقراءتي له زادًا إلى اليوم الآخر. ولئن بات ذكر الشهيد سيد قطب جريمة في عصرنا ، فلا أقل من أن يظهر ذكره في مثل هذه البحوث حتى يأذن الله بفجر عهد جديد.وهذا الكتاب فى ظلال سيد قطب يحاول أن يكتب شيئًا من سيرة الرجل ، و يحصر مؤلفاته ما أمكن ، ويشير إلى الدراسات التي قامت حوله ، ويتعرف على منهجه في ظلاله، ويوضح ميزاته وخصائصه ، ويبين موقفه من بعض قضايا التفسير ، مما جعله موضع الثقة والقبول الحسن عند العلماء. واقتضت طبيعته أن يأتي في مقدمة وأربعة فصول وخاتمة:
الفصل الأول :
حول سيد قطب. حياته وأعماله ، بعض أقواله نثرًا وشعرًا ، ما قيل عنه ، دراسات قامت حوله. الفصل الثاني :منهجه في الظلال. الفصل الثالث :موقفه من بعض قضايا التفسير. الفصل الرابع :بعض قضايا الظلال في الميزان. وأعلمُ أن سيد قطب قد قامت حوله دراسات عديدة في مجالات متنوعة ، لكن إذا فتح هذا الكتاب - بما يعطيه من صورة موجزة ومتكاملة - أعين القراء على عالم سيد قطب الرحيب ، وكان نافذة يطلون منها على إنتاجه وظلاله وحياته ، وشيئًا سهل التناول سهل التداول ، فقد بلغ ما يريد ، وأصاب ما يتغيَّاه. وللقارئ أن يفهم من عنوان الكتاب أنه في رحاب الرجل من حيث حياته وأعماله ، أو أنه في رحاب ظلاله ، فالمعنيين أردت ، وكليهما قصدت. وفى النهاية لا أملك إلا أن أردد قول العماد الأصفهاني :إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غده :لو غُيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان