بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الذي ارتفعت فيه الأبنية الأيديولوجية والسياسية شاهقاً، ورفعت أعلامها عالياً، كانت المنظومة المعرفية العربية، والتي تشكّل التأسيس الحقيقي للبناء الفكري، مازالت تعاني من أدواء، لم تحلّ، رغم تعرّضها لهزّات حادة على صعدٍ عدة، أهمها واقع التجزئة السياسية، والهزائم العسكرية والديموجغرافية، والتي بدأت مع زرع الكيان الصهيوني في فلسطين العربية ومن ثم هزيمة عام 1967 ولم تنتهِ مع الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 وحرب الخليج الثانية. بل إن السياق المذكور وإن أدّى إلى تراجع الخطاب الأيديولوجي -القومي خصوصاً، إلا أنه لم يدفع عناصر البناء المعرفي إلى تكوين مجموعاتها وأنساقها باشتراطات جديدة قادرة على تجاوز إشكاليات الثنائيات (الأصالة/ الحداثة، الوحدة/ التجزئة، العروبة/ الإسلام، البداوة/ المدنية، نحن/ الآخر…) وحل أزمتها. وإن طُرح على أكثر من مستوى معنى توفيقيٌّ لم يصل إلى وضع التأسيس المعرفي. وهذا ما يدلف بنا إلى قراءة خارطة النقد الذي ينتمي في جانب منه إلى إبداع في/ وحول الإبداع، ومن جانب آخر إلى الشق النقدي من المنظومة الإبداعية. وفي الثاني يخضع لعلاقات التأسيس المتوازن في عملية الخلق. فإذا كان النقد يعتمد على عناصر التأسيس النشيطة في المنظومة الفكرية من حيث التحليل والتركيب، والعلّية (السببية) الاستنتاج، الاستقراء، البنائية، وعلى عناصر المعالجة المعرفية للنص (العنصر) المناقش من حيث الولوج، والاختراق، والتمثل، والمعالجة، والترميز، فعليه إذن أن يتمثل خصائص المنظومة المعرفية التي ينتسب إليها. ومن ناحية كونه إبداعاً في / وحول الإبداع فعليه حينئذ أن يغامر في دخول النص، محافظاً على خصوصيته، بعلامات وجوده المميزة، ليصيغ نفسه بميزان النص المدروس. لذلك نصبح أمام حالة تقتضي أن النص الجديد، المغاير، يطرح نقداً جديداً ومغايراً. ولكن هذه العلاقة قد تعاني من بعض المفارقات أحياناً، كالتساؤل المشروع حول عجز النقد الأدبي العربي عن مواكبة النصوص الإبداعية المتنوعة خصوصاً في العقدين الأخيرين. بحيث يعيدنا الحوار حول هذه النقطة إلى إشكالية الأزمة في المنظومة المعرفية الثقافية، والتي انعكست على أزمة النقد أكثر من انعكاسها على خط التطور الإبداعي. لذلك لم يستطع التأسيس للتجربة الإبداعية الجديدة، برغم وصوله إلى نقاط التوازي مع خطها التصاعدي في بعض المراحل، وهذا تالي، كما يمكننا أن نزعم لعجز المنظومة المعرفية عن حل إشكالية عناصرها البنائية. فلا "المقولات النقدية ولا الخطاب النقدي"(1) بتعبير الدكتور عبد السلام المسدي، /إذا قبلنا بهذا التقسيم الاشتراطي لعملية النقد/ استطاعت امتلاك عناصر التجاوز، لعدم امتلاك المنظومة المعرفية لعوامل النقد التجاوزي. إلا في بعض الحالات التي امتلكت المنظومة النقدية من خلالها، أدوات الحراك الأيديولوجي، مدعية قدرتها على التأسيس المعرفي، وهذا ما بدا بشكل واضح في عجز الجهاز النقدي عن قراءة الأدب بشكل عام، والشعر بشكل خاص، كحالة متحركة تنتقل من تفسير العالم وكشف بناه إلى تغييره(2). ولم يرتبط ذلك بالمنظومة الثقافية العربية وأدواتها، بل ارتبط بعمق الأزمة الاجتماعية التي ثبّطت النمو والتطور الطبيعيين للثقافة العربية. فثقافتنا التي تمتلك المميزات الأناسية المعرفية الموغلة في القِدَم، والمؤسّسة على فضاءٍ متينٍ من الحراك الإبداعي الدائم، يمتد بجذوره إلى آلاف السنين، قادرة على الامتلاك والتجاوز، لولا عوامل التثبيط والفرملة التي شكّلتها الحاضنات الإيديوسياسية المعبرة عن عمق التناقض في بنية المجتمع العربي. وانعكس هذا على بعض المقولات الثقافية التي طرحت /القضية المعرفية/ والتغريبية تحت براقع مختلفة بما عنى في جوهر حركته عملية التجاوز والقطع الكامل مع التأسيس المعرفي الثقافي في المنظومة المعرفية. وإن أخذت شعار "الحداثة" في بعض الأحيان. فالحداثة مقولة تصف "المظهر" الكلي المتكامل للحلقة الأعلى، نسبياً لمقطع زمني محدد (حسب اللحظة المناقشة من الزمن الاجتماعي) في الحلزون التطوري الصاعد لكتلة اجتماعية معينة. وذلك ضمن السيرورة التاريخية، بعلاقته مع السمات الأرقى للكتلة الاجتماعية (أمة كانت أو تشكيلة، أو نمط أو تداخل أنماط) ليس فقط بسماتها الأدبية أو الثقافية بشقيها الروحي والمادي، بل والاجتماعية أيضاً. وبالتالي فإن الحداثة فعل مرتبط بكل أمة، ويتميز بالتراكم الكمي والنوعي. فالأمة مرتبطة بأساس وجودها بعملية النتاج الاجتماعي، التي لا يمكن أن تتوقف، وبالتالي، لابد من تراكم واكتساب القيم الروحية والمادية،