بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الصغيرة وتحلم. وكان وهج الشمس الحار يزيد حلمها اشتعالاً، وهو يتحول إلى عرق بارد، ينساب فوق جسدها أصابع داعرة، دافئة، باردة، وعذبة، تعبث بمفاتنها، وتلج إلى روحها مطراً أخضر، يحاصر دروب الدم، ويؤجج حركة أصابعها الداعرة، ومخيلتها المفتوحة على أسرار جسدها، ومفاتنه السرية؛ الراعشة بالتشهي والاشتعال، وكل ما فيها كان ينطق بالنشوة، والذهول؛ والارتعاش، مملوء بالغبطة والأسرار والحلم. والرجل الواقف في اندهاش وذهول، مصلوب بين جسد المرأة ورائحة الياسمين التي تغرق المكان، بصمت كان يراقب المرأة، وقلبه يخفق بشدة. وعندما طال وقوفه، غشاه شعور بالخوف لما يمكن أن يحدث لـه لو اكتشفت المرأة وجوده، أو فاجأه ظهور شخص ما، ففكر بالهرب، والفرار إلى الشارع، والبحث من جديد عن غسيل آخر، في مكان آخر، لكن قدميه عاندتاه، تمردتا عليه، تخلتا عنه، وبقيتا ملتصقتين بالأرض، وروحه استقرت عند المرأة، وراحت توميءُ إليه وتناديه، وهي تسخر من خوفه وتردده، وكالمسحور الذي لا يملك من أمره شيئاً، ولج الغرفة كالسطوع الشفيف، متجاوزاً هواجسه، ومخاوفه، وتردده، ومتجهاً إلى المرأة. 3-قيامة الخوف المرأة في تلك اللحظة في تلك اللحظة تماماً، كانت غائبة عن كل ما حولها، عيناها مغمضتان، ووجهها نهار من ياسمين حالم؛ منتشٍ، بهيٍّ كالشجر الرّيان، لم تكن نائمة ولا مستيقظة، كانت تحلم، وكان الحلم سيدها، وسيد اللحظة، يدخلها كالنعاس القاسي، ويفجرها من الداخل، فيهرب كل كيانها إليه، لتعيشه في روحها صوراً وظلالاً ساحرة، لأشكال وأوضاع تتوق إليها، وتسكنها مثل دمها، ولا تغادرها بالمرة. وعندما أصبح الرجل داخل الغرفة، ذعرت رائحة الياسمين، وفرّت هاربة إلى صدر المرأة، واختبأت فيه، فخفق صدرها، وفرّ الحلم من عينيها دفعة واحدة، اختفى، وتوارى كطيف زائل، واستدارت بكل جسدها إلى الخلف، فراعها وأفزعها وجود الرجل في الغرفة، وشحب وجهها، وتغيّر لونه، وأطلقت شهقة مذعورة كالصرخة، وخيل لها أن قلبها توقف عن الخفقان، فتقهقر الرجل متعثراً إلى الخلف، فأدركت أنّ الرجل خائف مثلها، وكان ذلك كافياً لأن تستعيد توازنها، وتفكر بالمحنة التي أطبقت عليها من حيث لا تدري، والرجل جامد في مكانه، شاحب الوجه، ففكرت أن تصرخ، أو تهجم عليه بضراوة اللبؤة المحاصرة، وتنشب أظافرها في وجهه، وعنقه، وعينيه، ولا تتركه حتى يموت، لكنّ شيئاً ما في الرجل أسكتها، شب في روحها كالشرارة، ثم كمّ فمها، ومنعها من الصياح، أو الصراخ، أو الحركة، شيء لا تعرفه تماماً، ولا تقدر على تحديده أو تشكيله، ولكنها رأته بأم عينها، سريعاً رأته كاللحظة الفاصلة بين الحياة والموت، توهج، وقبل أن تقبض عليه فرّ منها وغاب، تاركاً أثره بكل غموضه وسحره في داخلها كالنشيج الشهي، ومع هذا ارتاحت إليه. -لكن ما لذي دلَّه علي، وكيف وصل؟ هجست المرأة في داخلها تحت وطأة الحيرة والوسواس التي دهمتها كالغاشية، وظلّ سؤالها معلقاً في الفراغ. فهذه الغرفة ملاذها السري الأمين، تأتيها في غفلة من الناس، وفي وقت ميت من النهار، تنعدم فيه الحركة، وتتوارى فيها عن الأنظار، وحيدة تدخلها، كل شيء تتركه في الخارج وتدخل، ولا يدخل معها إلا جسدها، لتمارس طقوسها آمنة، مطمئنة، غير خائفة، فمن أين طلع عليها هذا الرجل؟ الواقف أمامها كالقضاء والقدر، بعينيه الضاريتين، ووجهه الشاحب، وقامته النحيلة، وكأنه هبط من السماء، أو انشقت عنه الأرض، فقلب ظهوره المفاجئ كيانها، وحوّل حلمها العذب إلى خوف. فكرت المرأة: ثمة خلل ما قد حدث. خلل أكبر من كل تدابيرها، فوقع ما كانت تخافه وتخشاه، فانكشف المستور، وانفضح سرها، لكنّ ما يثيرها أكثر مما هي فيه، هذا الشعور الغريب الذي نبق في داخلها منذ أن وقعت عيناها على وجه الرجل، وراح يخالط حيرتها ومرارتها، ويشدها بقوة غامضة شرسة إلى الرجل، دون أن تقدر على دفعه، أو التخلص منه. كانت المرأة تفكر، والرجل صامت ساكن.. وبهدوء رفعت عينيها إلى عينيه، فأذهلها الخراب الذي كان يملأ العينين، والشحوب الذي يغطي الوجه، ويخفي كثيراً من ملامحه، فغمرها حنان دافق نحو الرجل، وبكى قلبها حزناً عليه، وقد أدركت فداحة البؤس الذي كان يعيش. والرجل يتطلع إليها بانبهار وضراوة، وكل ما فيه يفيض بالحزن والمرارة، والتعب، والبكاء، فاختلجت المرأة، وارتعش جسدها،