قمر أخضر علـی شرفة سوداء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قمر أخضر علـی شرفة سوداء - نسخه متنی

خلیل جاسم الحمیدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الغامض الذي يناديه، وروحه الراكضة أمامه كالغزالة. كل الدروب انفتحت أمامه، وأعطته نفسها، خالية من الكمائن، والمطاردين، وحده وجه الجازية كان يشع كالمنارة البعيدة، ويحثه على الركض. وقتها همس في داخله: لا بد أنهم يغطون في نوم عميق. ثم ابتسم. وقد تراءت له زوجته من بعيد، وهي تفتح ذراعيها، وتدعوه إلى حضنها الدافئ، وجناته الوارفة، ناداها، ابتسمت له، وصار وجهها صباحاً من قرنفل أحمر. -قال لها: لقد اشتقت إليك. ففاحت رائحة القرنفل، وعانقت روح الرجل، فهاج عطش البوح فيه، فأجهشت بالبكاء، وركض قلبها إليه، فاختنق الرجل بنشيجه، ولوَّح لها بقلبه، وروحه، وبيديه الاثنتين، فرفرفت مثل حمامة بيضاء تودُّ الطيران. -قال لها: لقد تعبت يا الجازية. -قالت له: وأنا بانتظارك. -قال لها: وروحي خائفة. -قالت له: روحي فداءً لروحك. -قال لها: والجهات ضاقت علي. -قالت له: صدري ملاذك. فمدَّ يديه إليها من أقصى القلب إلى نهاية الروح، متجاوزاً المخفر وبواريد العسكر، ومتعباً العنزي، في حين ظلت هي تومئ إليه وتناديه، وحين وصل جمدت في فراشها، انحبس صوتها في حلقها وتيَّبس، ولم تصدق عينيها، لكنه عندما انحنى فوقها بخوفه، وبرده، وأشواقه، بتعبه ونشيجه، عرفته من رائحته التي نفذت إلى روحها كالطعنة، فاحتضنته وهي تجهش بالبكاء، شدها إلى صدره وأجهش هو الآخر بالبكاء. -قالت الريح: الرجل يحلم. -وقالت المرأة: الرجل خائف. ومع هذا ظلاَّ متعانقين. والده قال لـه مرة: متعب العنزي يشم رائحة عدوه من مسافة يوم كامل، وحقيقة شموا رائحته. فارتجفت يده. ثم خارت. وتوقفت عن احتضان النهد الناهض في كفه برتقالة من نار، وغادره لهاثه وذهوله وشوقه للمرأة، وتحول كل ما فيه إلى عيون مفتوحة، حذرة، اندفعت قطيعاً من الذئاب الخائفة إلى الخارج، تركض في كل الجهات، باحثة، متوجسة، ملتفتة، وهي تتلمس خائفة من وجود الدرك، ورجال متعب العنزي، لكنها ظلت وحيدة، ولم تجد سوى الليل مستيقظاً في الخارج وردة سوداء من ريح عاصف ومطر.

4-نشيج الدم المخفر ومتعب العنزي لن يتركاه. سيظل طريدتهما التي لا تتوقف عن الركض، وخوفها يرتعد في دمها يمامة فزعة، أتعبها الفرار، وسدت في وجهها الجهات، فحياته باتت عاقراً، وفصولها غادرتها المسرات، وارتداها اليباس، وهذه الطالعة من بحيرة الروح غزالة تومئ إليه، مثقلة بالشوق، وأنين الماء في السرو، وتباريح الكروم، سراب غشاه في لحظة الخوف والتيه، حين ضاقت دروب الريح، واعتراه الجنون، كل ما بين يديه سراب، وسيظل وحيداً ومطارداً، تتعاوره الجهات، والزمن الضيق، وما في الروح من وجع مميت، فدمه مباح، وروحه على كفه، واليباس تمادى في حلمه شرساً، ولن يجديه الفرار أو النحيب. وتذكر. يوم تحالفا على العباد، وراحا يبغيان في الأرض، وركعت القرى خائفة بين أيديهما، ظل هو عصياً عليهما فهادنوه، وحين انتشروا كالجراد يأكلون الأخضر واليابس في عزِّ النهار، لم يسكت. فحقدوا عليه، وبيتوا له الشر. وعندما جهر بالذي فيه: ما يحدث للناس يا ناس ظلم. قالت مريم الذياب وهي ترجف: الأرقم يلعب بالنار. أما صرخته فقد اندفعت تركض في القرية مثل نار تسوقها الريح، تدق الأبواب، والنوافذ، وتدخل القلوب الخائفة عنوة، وعندما وصلت المخفر ومتعباً العنزي، ارتجفت القرية من الخوف، وانكمشت على نفسها، وقبل أن يتحركا أو يفعلا شيئاً انغرست في خاصرة الاثنين مدية حاقدة، دون أن تخاف بواريد العسكر أو رجال متعب العنزي. فارتجف العنزي. وارتجف المخفر. ارتجفا معاً وفي وقت واحد، واعترى اللحظة الذهول، ومع هذا رفضت أن تكون محايدة، فانقلبوا كلاباً مسعورة وأطبقوا عليه من كل الجهات، وحين تركوه، كان كتلة لحمية، دامية، مشوهة، وغائبة عن الوعي. ومع هذا ظل صامتاً مثل قبر، لم يبكِ أو يصرخ، لم يطلب الرحمة أو يركع، ودمعه تحجر في عينيه كالصوان، وحده الحقد كان ينمو ويتسع في داخله كالغابة العذراء. وقبل أن يتنفس الصبح كانت النيران تشتعل

/ 27