بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
النخلة، وبياضُ الحليب، ورائحة النعناع البريّ، وراح يركض وراء روحه ذئباً شرساً وضارياً، وفي دمه تختبئ المرارة والنشيج. 2-نشيج الروح دهمه نباح الكلاب قطيعاً من الأرانب البرية المذعورة فرمحت روحه مهرة خائفة، وتحفزت تريد الفرار، لكنَّ المرأة الملتحمة به مثل روحه، شدَّته إليها لاهثة، متأوهة، ضارعة، وأنفاسها الحارة المكتظة بصراخ الجسد ونيرانه تشوي وجهه، وتنداح في داخله فيضاً من الاشتعال البهي، والفتنة، والإثارة، فتؤجج نشوته، تغويه وتبعده عن نباح الكلاب، فيبرد خوفه ويذبل، يتضاءل وينكمش، ثم لا يبث أن يتلاشى ويختفي، وإذ يسقط حذره خارج الغرفة، يظل ذاهلاً ومأخوذاً باللهاث الصاعد من جوف المرأة قيامة من الأنين، والفحيح، والضراعة، والاشتعال، وعريها يتلجلج بين يديه مهرجاناً من الذهب المجمر والقرنفل، والألوان المشتعلة والصهيل. لكن تصاعد حدة النباح وشراسته، أجفله هذه المرة، وانتشله من حضن المرأة، ووضعه في مواجهة عويل خائف انبعث في داخله مثل شوكة في القلب، وراح يستشري في كيانه كله، فعادت روحه ترمح من جديد ظبية مطاردة أفزعتها رائحة الخطر التي انتشرت من حولها كالنواح الوحشي، فنهض المخفر من جديد، وراح يسد عليها الجهات، فارتعد كالطعين، وقد اختنقت ذاكرته بالوجوه القاسية، الشرسة التي أدمنت مطاردته، وجعلت جهات الأرض الواسعة أضيق عليه من ثقب الإبرة، حتى صار لعمره طعم الدفلى، وسطوة النار في الغابة، فأيقن أنها شمت رائحته. وعندما اختلطت الوجوه بالنباح، ووقع الخطوات بالرائحة الزنخة الكريهة التي لا ينكرها، ضاقت الغرفة به، ورفرفت روحه تريد الفرار، وقد نهضت في داخلها البراري والمغاور والوديان، وراحت تومئ إليه وتناديه. بهدوء حذر رفع رأسه، والمرأة تلتصق به وتشده وهي تتلوى وتموء، أنصت، فخيل إليه أنه كان يسمع مع صوت الريح والمطر وقع أقدام تجوس الليل العاصف بحذر وتكتم شديدين، وهي تدور حول المنزل مثل ذئاب جائعة شمت رائحة الطريدة، فوجف قلبه، ارتعش، ثم اختبط، ثم امتلأ بالذعر، وقد امتلأت ذاكرته بالمخفر، ووجه متعب العنزي، فنهضت اللحظة حربة من وجع ونار، واندفعت في الخاصرة زراعة الخطر والخوف في روحه ودمه، دون أن تحفل بالمرأة وعريها الطافح بالفصول والضراعة والاشتعال. -قال الرجل بمرارة: إنهم يزحفون من كل الجهات. -وقالت المرأة في داخلها: الأرقم يهذي. -قال الرجل في داخله: الجهات تخونني. -وقالت المرأة في داخلها: أنا جهته، فكيف يضل الطريق إلي. دار الرجل حول نفسه. وجد المخفر يدور معه، شرق، غرب، كان متعب العنزي يسد عليها الجهات، ويبتسم بشماتة، تقدم، تراجع. ظلت الجهات تحاصره، ورائحة الغدر تفوح منها، شرع ذراعيه، طوح بهما بعيداً، بعيداً، بعيداً ثم قبض على الجهات واعتقلها، ومع هذا ظل نباح الكلاب يتعالى، والمخفر يقف في مواجهته تماماً، ووقع الأقدام يأتيه شرساً وعنيداً، وحدها المرأة كانت خارج اللحظة وشراستها، والرجل وحده كان يحس بالخطر. واللحظة عنده لها شكل الفاجعة ورائحة الدم في أوقات الهزيمة، وهي تواجهه بعيون داعرة، وتنشب مخالبها في روحه، فيرتفع نشيجها حاراً، غامضاً وعميقاً، وله طعم الدفلى، وحزن الشجر المذبوح، فيزداد التصاقاً بنفسه، وابتعاده عن المرأة، ومن ذاكرته تفرُّ الأشياء الأليفة والجميلة كلُّها، مثل عصافير الدوري الخائفة، التي راودته وهو يخرج من مخبئه البارد، ولا يظل فيها إلاّ المخفر، والدرك، ومتعب العنزي، فيرتجف مثل وردةٍ دهمتها الريح وقد استولى عليها الخوف، والمرارة، واليباس. 3-نشيج الليلة الوارفة في آخر الليل خرج. وحيداً خرج. تدثَّر بالليل والريح، والمطر، وانحدر من مخبئه مثل جندي مُحاصر قرّر المجازفة، وراح يركض، فركض معه الليل، والريح والمطر، بينما المرأة كانت تركض في العين، والقلب، والشرايين وهي تثب مثل غزالة مطاردة، وتزاحمه على الطريق، فيزداد عدوه، والمرأة تشتعل في داخله قمراً من نار. هي له وحده، بكل ما فيها من ريح، ومطر، وعتمة، وبرد، هي له، لا شريك له فيها، هو ذئبها، وهي ملاذه، وستره الذي لن يشي به، أو يدل عليه، ليلة مباركة، انحنت عليه مثل شجرة وارفة، حتى اختلطت فيها الأرض بالسماء، وانمحت الحدود بينهما، فأسرى هو ما بين الاثنين وعرج، دليله هذا الصوت