قمر أخضر علـی شرفة سوداء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قمر أخضر علـی شرفة سوداء - نسخه متنی

خلیل جاسم الحمیدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

نحوه، حادة، قوية، ضارية، شرسة وحاقدة، وقبل أن تطأ قدمه الأرض، راحت تطبق عليه من كل الجهات كالمقصلة.

الشرفات ترتدي حدادها ((لن أنظر إلى ذهب المساء وهو ينهمر، ولا إلى الأشرعة البعيدة وأنا منحدر إلى المرافئ وعندما أصل، سأضع فوق لحدك باقة من البهشية الخضراء والخلنجة المزهرة..)) فيكتور هوجو الشرفات ترتدي حدادها (1) :الرجل. ضاق المنزل بالرجل النحيل. وهو يلف ويدور في غرفه الكثيرة، بدون توقف أو إحساس بالتعب، وكل ما فيه في حالة انشداه وانشداد وتوتر، يدخل الغرفة صامتاً، ويخرج منها فارغ اليدين، قلقاً، مضطرباً، وقد تغير وجهه وشحب، وعيناه الذاهلتان، الحزينتان، مليئتان بالخيبة، والخذلان، والانكسار. ومع هذا كان لا يتوقف عن الدوران والبحث في الغرف عن شيء يفتقده ويريده، ويحس بحاجته القوية إليه، لكن أكثر ما يعذب الرجل ويمرمر روحه أنه لا يتذكر هذا الشيء، أو يعرف مكانه، فهو يتخبط كالأعمى الذي ضيع اتجاهه. ومع ازدياد دورانه في الغرف، وخروجه منها فارغ اليدين، كانت حاجته إليه تزداد، بينما إحساسه بالعجز والمرارة يتعاظم، مع أنه يحسه قريباً منه، يجاوره تماماً، ويلتصق به مثل ظله، ويكاد يسمع وقع خطواته من حوله، وهو يدور معه في المنزل، وحين يمد يديه إليه، أو يحاول تشكيله في ذهنه، يختفي تماماً، ولا يظل لـه من أثر في الذاكرة أو المكان. كانت الجازية تقول له: أنت دائماً تنسى. وكان يقول لها: إلاَّ أنت يا امرأة. تقول له: ولماذا إلاّ أنا؟. يقول لها: لأنك تسكنيني مثل دمي. استجار الرجل بذاكرته يائساً ومهزوماً. استنجد بها ضارعاً، فانفتحت عليه مثل كهف مرصود، وتدفقت منها وجوه، وفصول، وأزمنة واندفعت نحوه فاتحة أحضانها، فأقبل هو الآخر عليها، وأعطاها نفسه ضائعاً وملهوفاً، وراح يبحث بينها حتى أنهكه التعب، لكنه ظلَّ تائهاً، فارغ اليدين ولم يجد بينها ما يبحث عنه، أو وشت لـه بشيء عنه، والمرارة تسكن روحه كالدفلى. ما يحدث للرجل غريب ومثير، حتى صورة المرأة المعلقة على الجدار لم تثر اهتمامه هذه المرة عندما وقعت عيناه عليها، وهي التي كان قلبه يثب نحوها حتى قبل أن يدخل المنزل، ولا يجد راحته إلاَّ في الوقوف أمامها بخشوع، وعيناه مغرورقتان بالدموع، فهي ملاذه في أوقاته الصعبة، يأتيها مستجيراً، يلوذ بها، ويكوم أحزانه وعذاباته بين يديها، وفي اللحظة التي يرتفع فيها نشيجه حاراً ومكتوماً، يحس بأصابعها الطويلة تندس في شعره، وتروح تجوس فيه بحبٍ وحنانٍ، ثم لا تلبث أن تشده إلى صدرها فيمتلئ برائحتها التي تشبه رائحة الحقول في الصيف الحار، فيزداد التصاقاً بها، فتطوقه بذراعيها وتبدأ بالغناء، فيأتيه صوتها مثل رنين أجراس فضية تقرع في أراضي بعيدة تحت سماء زرقاء، وشمس كبيرة وهو يتصاعد من روحها عذباً، شفيفاً، يفيض بالنشوة، والدفء، والحنان. هذه المرة لم تفعل المرأة شيئاً يخلصه من ضياعه، وعذابه، ومكابداته، بدت له وكأنها لم تحس بوجوده، أو لاحظت ما هو فيه من قلق، وتمزق، ومرارة. هذه المرة بدت جامدة، باردة، ميتة، وغير مهتمة به، لم تحاول النظر إليه، أو مدت ذراعيها لاحتضانه، ولا ارتفع صوتها بالغناء، وظلت مجرد صورة معلقة على الجدار. فكر الرجل بالخزانة. بعثر محتوياتها في كل مكان، وعيناه تتحركان في كل اتجاه، واجهه الثوب النسائي، فتوقف، جمدت يده في مكانها، وقد هبت عليه رائحة المرأة، فانشدَّ إلى الرائحة، وقد شعر بالأرض تدور من تحته، تمسك بالثوب، فتحرك الثوب بين يديه، وخيّل إليه أنّ المرأة هي التي تحركت، فازداد ارتباكه وحيرته، واختلط الأمر عليه، ولم يعد قادراً على التفكير بشكل صحيح، شدَّ على الثوب بقوة، فسرت حرارة الجسد إلى يديه، ورأى بأم عينيه المرأة تتحرك في داخله، وقد اكتسى وجهها بالخضرة، واتسعت عيناها، فهجس: -: لا بدَّ أنني أحلم. قالت المرأة: أنت تهذي. قال الرجل: يقيناً أنا أحلم. قالت المرأة: أنت متعب وضائع. قال الرجل: منذ أن رحلت يا امرأة. دمعت عينا المرأة حزناً على الرجل، وقالت له بصوت مبلل بالنشيج: عانقني. فارتجف الرجل، واندفع يريد احتضانها، ورآها وهي تندفع نحوه أيضاً، وحين تعانقا خيل إليه أن المرأة كانت تبكي، فطوقها

/ 27