مقامات الحریری نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
الحارِثِ بنِ هَمّامٍ البِصْرِيّ. وما
قصَدْتُ بالإحْماضِ فيهِ. إلا تنْشيطَ
قارِئِيهِ. وتكْثيرَ سَوادِ طالِبيهِ.
ولمْ أُودِعْهُ منَ الأشْعارِ
الأجْنبيّةِ إلا بيْتَينِ ? فذّينِ
أسّسْتُ علَيْهِما بُنْيَةَ المَقامَة
الحُلْوانيّةِ. وآخَرَينِ توأمَينِ
ضمّنْتُهُما خَواتِمَ المَقامَةِ
الكرَجيّةِ. وما عدا ذلِك فخاطِري أبو
عُذْرِهِ. ومُقْتَضِبُ حُلْوِهِ
ومُرِّهِ. هذا معَ اعْتِرافيْ بأنّ
البَديعَ رحِمَهُ اللهُ سَبّاقُ غاياتٍ.
وصاحِبُ آياتٍ. وأنّ المتصَدّيَ بعدَهُ
لإنْشاء مَقامةٍ. ولوْ أُوتيَ بَلاغَةَ
قُدامَةَ. لا يغْترِفُ إلا من فُضالَتِه.
ولا يسْري ذلِك المَسْرى إلا بدَلالَتِهِ.
وللّهِ دَرُّ القائِلِ: أسّسْتُ علَيْهِما
بُنْيَةَ المَقامَة الحُلْوانيّةِ.
وآخَرَينِ توأمَينِ ضمّنْتُهُما
خَواتِمَ المَقامَةِ الكرَجيّةِ. وما عدا
ذلِك فخاطِري أبو عُذْرِهِ. ومُقْتَضِبُ
حُلْوِهِ ومُرِّهِ. هذا معَ اعْتِرافيْ
بأنّ البَديعَ رحِمَهُ اللهُ سَبّاقُ
غاياتٍ. وصاحِبُ آياتٍ. وأنّ المتصَدّيَ
بعدَهُ لإنْشاء مَقامةٍ. ولوْ أُوتيَ
بَلاغَةَ قُدامَةَ. لا يغْترِفُ إلا من
فُضالَتِه. ولا يسْري ذلِك المَسْرى إلا
بدَلالَتِهِ. وللّهِ دَرُّ القائِلِ:
فلوْ قبْلَ مَبْكاها بكَيْتُ صَبـابةً
بسُعْدى شفَيتُ النفسَ قبل التّنَدُّمِ
ولكِنْ بكَتْ قبْلي فهيّجَ لي البُكا
بُكاها فقُلتُ الفضْلُ للمتَـقـدِّمِ
وأرْجو أنْ لا أكونَ في هذا الهذَرِ الذي
أوْرَدْتُهُ. والمَوْرِدِ الّذي
تورّدْتُهُ. كالباحِثِ عنْ حتْفِهِ
بظِلْفِه. والجادعِ مارِنَ أنْفِهِ
بكفّهِ. فألحَقَ بالأخْسَرِينَ أعْمالاً
الذينَ ضلّ سعْيُهُمْ في الحياةِ
الدُنْيا. وهُمْ يحْسِبونَ أنّهُمْ
يُحسِنونَ صُنْعاً. على أني وإنْ أغْمَضَ
لي الفَطِنُ المُتغابي ونضَحَ عنّي
المُحبُّ المُحابي. لا أكادُ أخْلُصُ منْ
غُمْرٍ جاهِلٍ. أو ذي غِمْرٍ متَجاهِلٍ.
يضَعُ مني لهَذا الوضْعِ. ويندّدُ بأنّهُ
منْ مَناهي الشّرْعِ. ومَنْ نقَدَ
الأشْياءَ بعَينِ المعْقولِ. وأنْعَمَ
النّظَرَ في مَباني الأصولِ. نظَمَ هذِه
المَقاماتِ. في سِلْكِ الإفاداتِ.
وسلَكَها مسْلَكَ الموْضوعاتِ. عنِ
العَجْماواتِ والجَماداتِ. ولمْ يُسْمَعْ
بمَنْ نَبا سمْعُهُ عنْ تِلكَ الحِكاياتِ.
أو أثّمَ رُواتَها في وقْتٍ من الأوْقاتِ.
ثمّ إذا كانَتِ الأعْمالُ بالنِّيّاتِ.
وبها انْعِقادُ العُقودِ الدِّينِيّاتِ.
فأيُّ حرَجٍ على مَنْ أنْشأ مُلَحاً
للتّنْبيهِ. لا للتّمويهِ. ونَحا به منحَى
التّهْذيبِ. لا الأكاذيبِ? وهلْ هُوَ في
ذلِك إلا بمنزِلَةِ مَنِ انتَدَبَ
لتعْليمٍ. أو هدَى الى صِراطٍ مُستَقيمٍ?
على أنّني راضٍ بأنْ أحْمِلَ الهَوى
وأخْلُصَ منْهُ لا علـيّ ولا لِـيا
وباللّهِ أعْتَضِدُ. فيما أعْتَمِدُ.
وأعْتَصِمُ. ممّا يصِمُ. وأسْتَرْشِدُ.
الى ما يُرْشِدُ. فما المَفْزَعُ إلاّ
إليْهِ. ولا الاستِعانةُ إلا بهِ. ولا
التّوفيقُ إلا منْهُ. ولا الموْئِلُ إلا
هُوَ. علَيْهِ توكّلتُ وإليْهِ أُنيبُ.
وبهِ نسْتَعينُ. وهو نِعْمَ المُعينُ.
المقامة الصنعانية
حدّثَ الحارثُ بنُ هَمّامٍ قالَ: لمّا
اقتَعدْتُ غارِبَ الاغتِرابِ. وأنْأتْني
المَترَبَةُ عنِ الأتْرابِ. طوّحَتْ بي
طَوائِحُ الزّمَنِ. الى صنْعاء اليَمَنِ.
فدَخَلْتُها خاويَ الوِفاضِ. باديَ
الإنْفاضِ. لا أمْلِكُ بُلْغَةً. ولا
أجِدُ في جِرابي مُضْغَةً. فطَفِقْتُ
أجوبُ طُرُقاتِها مِثلَ الهائِمِ. وأجولُ
في حَوْماتِها جَوَلانَ الحائِمِ.
وأرُودُ في مَسارحِ لمَحاتي. ومَسايِحِ
غدَواتي ورَوْحاتي. كريماً أُخْلِقُ لهُ
ديباجَتي. وأبوحُ إلَيْهِ بحاجتي. أو
أديباً تُفَرّجُ رؤيَتُه غُمّتي. وتُرْوي
رِوايتُه غُلّتي. حتى أدّتْني خاتِمَةُ
المَطافِ. وهدَتْني فاتِحةُ الألْطافِ.
الى نادٍ رَحيبٍ. مُحتَوٍ على زِحامٍ
ونَحيبٍ. فوَلَجْتُ غابةَ الجمْعِ.
لأسْبُرَ مَجْلَبَةَ الدّمْعِ. فرأيتُ في
بُهْرَةِ الحَلْقَةِ. شخْصاً شخْتَ
الخِلْقَةِ. عليْهِ أُهْبَةُ السّياحَةِ.
وله رنّةُ النِّياحَةِ. وهوَ يطْبَعُ
الأسْجاعَ بجواهِرِ لفظِهِ. ويقْرَعُ
الأسْماعَ بزَواجِرِ وعْظِهِ. وقدْ
أحاطَتْ بهِ أخلاطُ الزُّمَرِ. إحاطَةَ
الهالَةِ بالقَمَرِ. والأكْمامِ
بالثّمرِ. فدَلَفْتُ إليهِ لأقْتَبِسَ من
فوائِدِه. وألْتَقِطَ بعْضَ فرائِدِه.
فسمِعْتُهُ يقولُ حينَ خبّ في مجالِه.
وهَدَرَتْ شَقاشِقُ ارتِجالِه. أيّها
السّادِرُ في غُلَوائِهِ. السّادِلُ
ثوْبَ خُيَلائِهِ. الجامِحُ في