بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
للعلاقة اللغوية وتكشف إمكانيات جديدة لاستخدامها". إن عدم استقرار الأوروبيين على رؤية جعلت كمال أبو ديب يقول: "إن الشعرية مفهوم متغير عبر التاريخ". ويعلل ذلك برأي "لوتمان" الذي يقول: إن كون المشابهة بين النص وبين الواقع اللا فني فضيلة، بل شرط للفن شرعها الذوق والنظرات الجمالية في القرن التاسع عشر وأنه في المراحل المبكرة كان اللا تشابه أو الفرق بين مجالي العادي الفني ما جعل الناس يتصورون نصاً من النصوص جمالياً وأن اللغة من أجل أن تصبح مادة الفن عُرِيت أولاً من مشابهتها للّغة الحياة اليومية.".(10). ولم تكن الشعرية العربية تعاني منه. إنَّ الرؤية العربية للشعرية لم تكن واحدة في تناولها فقد نظر إليها أدونيس من خلال مواقف تمثلت في الشفوية الجاهلية -كما سمّاها-والفضاء القرآني والفكر ثم الحداثة ولكنه لم يخرج عن سورياليته في هذه الدوائر.ولم تكن رؤية كمال أبو ديب إلا دراسة اللغة والشعر من خلال الإيقاع والمسافة المفترضة الفاصلة التي شغلته ألا وهي مسافة التوتر أو الفجوة. وخالفهما رشيد يحياوي الذي نظر إلى الشعرية من خلال تطور الأنواع الأدبية ولذا درس النوع الشعري وأنساقه وأغراضه. وهذه الرؤية تخالف مدخل الأوروبي إلى الشعرية رغم تأثر النظرة الشرقية بالنقدية الغربية وهذا يعود إلى تكوينات أو منطلقات الأدب في الغرب عنه عند العرب ولعل خير من التفت إلى هذا الاختلاف هو جرجي زيدان في كتابه (تأريخ آداب اللغة العربية)فقال ما نصه: "إن علم الأدب الذي يعنيه الإفرنج يفضي إلى الإجادة في فني المنثور والمنظوم مثل علم الأدب عند العرب؛ لكنه يشتمل أيضاً على روح انتقادية هي المراد الأصلي من علم الأدب عندهم لا العبارة أو الأسلوب. وإنما يريدون تلك الروح التي ينتقد بها الكاتب أو الشاعر مايقع عليه نظره من الحوادث الطبيعية أو ينتبه عليه من أماكن النقص في الأمة أو رجالها أو ملوكها، فينتقد أو يصفه بأسلوب انتقادي شعري... وكتابهم إنما يتفاضلون في أسلوب ذلك الانتقاد... بقطع النظر عما يرجوه من الكسب أو الاسترضاء". وهذا النص يشكل منطلقاً للشعرية الغربية التي تختلف عن الشرقية التي يقول عنها جرجي زيدان في النص نفسه: "وهذا نادر في أدباء العرب -يقصد روح الانتقاد- لانصراف قرائحهم في صدر دولتهم إلى إرضاء الخلفاء أو الأمراء من مدح أو هجاء على ماكانت تقتضيه الأحزاب السياسية أو يشيبون بما يطرب الخليفة أو الأمير لأنه على رضاه يتوقف رزقهم"(11), ويعني هذا التكسب في الشعر. ثم يحدد المراد بـ(روح الانتقاد) فيقول: "فهم يريدون ما فعله شكسبير ودانتي وهوجو وروسو وفولتير وغيرهم ممن ألف القصص للمطالعة أو التمثيل أو القصائد أو المقالات في تصوير الحقائق وانتقادهم واستخراج العبرة منها بأسلوب شعري يؤثر في النفس". ويقارن ذلك بالأدب العربي فيقول: "والعرب قلما فعلوا ذلك في النظم أو النثر، إلا نحو ما يؤخذ من كتاب كليلة ودِمنة وأمثاله وهو تلميحي وليس عربي الأصل. وقد ألفوا قصة عنترة مثلاً، صوروا بها حالة الاجتماع في الجاهلية. وصوروا في "ألف ليلة وليلة" حالة الاجتماع في عصر الرخاء والحضارة، لكنهم لم يضعوا ذلك في شكل انتقادي ولا نبهوا على مكانة العبرة فيه". ويكون موقف القارئ أو المتلقي إخبارياً، أي لا دور لـه في ما يقرأ فيقول: "وإن كان القارئ يتأثر في المطالعة، فيساق من نفسه إلى استحسان بعض ما صوّر هناك من مناقب فيقلدها، إلا أنه غير مقصود في التأليف"، ولكنه يستدرك قائلاً: وهذا النقص ليس خاصاً بالعرب بل هو يشمل أكثر الشرقيين". أما غيره فكان أبو القاسم الشابي الذي تجاوز الروح الانتقادية التي نبّه عليها جرجي زيدان بل أضاف واصفاً إياها بالحسية أو الشكلية حيث لا تغور في الأعماق كالنضرة الغربية حيث تنفذ إلى جوهر الأشياء فيقول في كتابه "الخيال الشعري عند العرب".(12). إنَّ الروح العربية -كما تعلن عن نفسها في الشعر القديم- حسيّة لا تنظر إلى الأشياء كما تنظر إليها الروح الغربية في عمق وتؤدة وسكون.. فهي لا تنفذ إلى جوهر الأشياء وصميم الحقائق وإنما هَمّها أن تنصرف إلى الشكل واللون والقالب، أو ماهو إلى ظواهر الأشياء من دخائلها". وهذا يعني أن يجرَّد الشعرية العربية من الخيال ولم يكن هذا الرأي إلا صدى لأقوال المستشرقين الأوروبيين الذين حاولوا أن يزرعوا وهماً في نفوسنا بأننا لا نملك سعة في الخيال ولا قدرة لشعريتنا على خلق الصورة الشعرية الرائعة، وفاتهم أنَّ القصائد العربية القديمة أبدعت صوراً فنية أساسها الخيال، فإن اتجهت إلى تشبيهات حسيّة فإن ذلك يقرب تصور المتلقي للأشياء من خلال طرفي جملة البلاغة العربية (المشبه+المشبه به)ومن الذين