منطلقات البحث العلمي في السيرة النبوية
السيد جعفر مرتضى العامليالطبعة الثانية 1423هـ. 2002م. المركز
الإسلامي للدراسات بيروت ـ لبنان
تـقـديـم:
بسم الله الرحمن الرحيموالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على خير خلقه وأشرف بريّته محمد وآله
الطيبين الطاهرين..
واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم
الدين..
وبعد..
فإن هذا البحث الذي نقدمه إلى القاري
الكريم قد يكون مفيداً في إعطاء صورة
متقاربة للملامح عن أهمية السيرة
النبوية، ومعرفة الوسائل أو فقل العناصر
الضرورية للبحث المفيد والعميق فيها.. مع
إلماحة إلى ما يعترض الباحث من عقبات، وعن
سبل تذليلها.
ويجد القارئ الكريم في هذا البحث أيضاً
نماذج يسيرة للضوابط والمعايير، التي
أريد لها أن تسهم في حفظ الإنحراف وترسيخه.
وفي مقام التدليل على ذلك، قدمنا مثالين
اثنين هما:
1 ـ ما يزعمونه من أن النبي (ص) يجتهد،
ويخطئ في الاجتهاد.
2 ـ والآخر، ما يزعمه البعض من أن الأنبياء
عاجزون عن أي تصرف أو تأثير خارج نطاق
الدعوة، وأن معجزاتهم مقصورة على مواقع
التحدي، ولا يمكنهم أن يقوموا بأي عمل
فيما عدا ذلك.
ومهما يكن من أمر، فقد يجد القارئ في هذا
البحث ما يجدي وينفع. نسأل الله سبحانه أن
يلهمنا الصواب والسداد في القول وفي
العمل، إنه ولي قدير.
أهمية السيرة النبوية وحساسيتها:
إنه لا ريب في أن للتاريخ أهميته وتأثيره
في حياة الشعوب والأمم. ولكن تاريخ نبينا
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم يبقى هو
الأعظم أهميةً، والأقوى تأثيراً، خصوصاً
بالنسبة للشعوب الإسلامية عبر العصور،
على اختلاف أجناسها، ولغاتها،
وانتماءاتها.
ويرجع ذلك إلى طبيعة العلاقة التي تربط
الناس بالإسلام بما له من شمولية، ودقة
متناهية، ثم بنبي الإسلام (ص)، الذي يمثل
التجسيد الحي، والأسوة والقدوة للناس، في
أدق الأمور وأقلها، وأعظمها خطراً وأجلها.
فالنبي (ص) الأسوة والقدوة، هو المربي،
والمفتي، والقاضي، والولي، والقائد
العسكري، وصاحب القرار السياسي، وما إلى
ذلك.
فمن الطبيعي إذن، أن يكون لسيرته (ص) تأثير
أساسي ومصيري في كل الواقع الذي يعيشه
الناس، وفي مختلف جهات وجودهم: في الحياة
السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية،
والتربوية، وفي التكوين النفسي، والفكري
للإنسان المسلم، وفي خصائص شخصيته
وحالاتها، حتى على مستوى العواطف
والمشاعر، ثم في طبيعة النظرة للأمور،
وأسلوب التعاطي معها. بل في طموحات
الإنسان ورغباته، وآماله القريبة
والبعيدة منها على حد سواء.
ولأجل ذلك نقول:
إن أي شيء يسجله التاريخ لنا عن نبينا
الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، قد تكون
له أبعاد ودلالات مختلفة ومتفاوتة كماً
وكيفاً، فقد نجده مرتبطاً ـ كلاً أو بعضاً
ـ بالسلوك، وبالفقه، وبالموقف السياسي،
وبالتعامل التربوي. وله دلالات اعتقادية،
وتأثيرات عاطفية، وارتباط بالعلاقات
الاجتماعية، وكذلك بتفسير القرآن،
وبالرجال، والدراية، وباللغة، والأنساب،
والجغرافيا، والطب، وما إلى ذلك.
وهذا ما يؤكد لنا صعوبة البحث في السيرة
النبوية ومشقاته، على صعيد تحقيق النصوص
وتمحيصها، ثم الاستفادة منها في الموقع
المناسب، وبالطريقة المناسبة.
ويوضح أيضاً: أن البحث في السيرة النبوية
هو الأشد حساسيةً وخطراً؛ لأن أي خطإس أو
إفراط أو تفريط فيه سيترك آثاره على
عقائد، وسياسيات، وسلوك الناس، ومجمل
حياتهم، وشخصيتهم الفردية والاجتماعية.
المادة التاريخية في مصادرها:
وإن مما لا شك فيه هو أننا نملك ثروة
تراثية هائلة، لم يتسنّ لأية أمة أن تملك
لها من شموليتها ودقتها، وتوفر عناصر
الصحة فيها. وهي تكفي ـ لو أعطيت حقها من
الدراسة والتمحيص ـ لإعطاء صورة واقعية،
متقاربة الملامح، ليس في الخطوط العامة
وحسب، وإنما في كثير من التفاصيل الدقيقة،
لحياة نبينا الاكرم صلى الله عليه وآله
وسلم، وحتى بالنسبة للكثير من الأحداث
التي مرت بالمسلمين، بل بالأنبياء (ع)
السابقين أيضاً.
ويعتبر القرآن الكريم هو المصدر الأغنى
والأصفى، الذي لا يأتيه الباطل من بين