مِنةُ اَلمنَان في الدفاع عن القرآن
الجزء السابع
سورة الكوثر وهي اصغر السور , لا بعددالآيات , بل بعدد الكلمات والحروف .وقد
أشار المفسرون إلى ذلك . كما إن لها هدفا
واضحاً , على بعض التقادير , كما سيأتي
بيانه . واما عن تسميتها ففيها الأطروحات
الآتية : الأولى : الكوثر , وهو الأسم
المشهور . الثانية : السورة التي ذكر فيها
الْكَوْثَرَ . وذلك على طريقة الشريف
الرضي .(قدس سره ) . الثالثة :إعطاؤها رقمها ,
في ترتيبها من المصحف الموجود وهو : 108 .
وأهم الأسئلة التي ترد في هذه السورة
المباركة , هي عن معنى : الكَوْثَرَ والنحر
والأْبتَرُ . سؤال : ما معنى الْكَوْثَر؟
جوابه : قال الرازي (1) في هامش العكبري : انه
الخير الكثير . فوعل من الكثرة .كقولهم : رجل
نوفل أي كثير النوافل . ومنه قول الشاعر :
وأنت كثير يا ابن مروان طيب وكان أبوك ابن
العقائل كوثرا أقول : ينبغي أن نسلم بان
الكوثر الخير الكثير . أو كثرة الخير . لا
بمعنى ذو الخير الكثير .وان صح ذلك مجازا ,
وإلا سوف يسقط تفسير الآية . اذ يكون
المعنى : إِنا أعطيناك ذا الخير الكثير .
وهو مما لا محصل له إلا على بعض التفاسير
الشاذة . بل يراد من الكوثر المصدر , ويسند
الى الرجل تجوزاً , كما يقال : زيد عدل , أي
ذو عدل او متصف بالعدل . فنحتاج إلى
التقدير . وهذا هو الاشتباه الذي وقع بهالرازي . (1) ج2 ص 157 . والكوثر
يمكن أن يكون بمعنى المصدر . وان يكن بمعنى
اسم المصدر . والفرق بينهما - كما أشرنا في
درس الأصول - إن المصدر عبارة عن المعنى
حال كونه ملوحظا متحركاً ومستمراً . واسم
المصدر عبارة عن المعنى حال كونه ثابتاً
قائماً بنفسه . فالخبر الكثير يمكن أن يلحظ
ثابتاً مفهوماً , فيكون اسم مصدر ويمكن ان
نتصور له معنى مستمراً , فيكون مصدراً .
وعلى ذلك , فالكوثر الخير الكثير أو كثرة
الخير ,وعليه تحمل سائر المعاني . التي
ذكرت للكوثر . حتى إنها بعضهم إلى ستة
وعشرون معنى . كما في الميزان (1) . وكلها
مصاديق بالحمل الشائع منه . ومن هنا يتضح
ما ذكره في الميزان , حيث قال : (2) واختلفت
أقوالهم في نفس الكوثر اختلافا عجيبا .
فقيل : هو الخير الكثير . وقيل نهر في الجنة
, وقيل : حوض النبي (ص) في الجنة .أو في
المحشر , وقيل أولاده , وقيل : أصحابه
وأشياعه الى يوم القيامة .وقيل علماء أمته
. وقيل : القرآن وفضائله كثيرة , وقيل :النبوة . وقيل : تيسير القرآن وتخفيف
الشرائع . . وقيل الإسلام . قيل : التوحيد .
وقيل : العلم والحكمة . وقيل : فضائله (ص) .
وقيل : المقام المحمود . وقيل : هو نور قلبه
(ص) , إلي غير ذلك مما قيل . أقول : فكل ذلك
مصاديق من الكوثر , ولا تنافي بينها , وكلها
ليست كوثراً بالمفهوم او بالحمل الأول .بل
هي منه بالحمل الشايع . ومعه يمكن القول
بصدق الأقوال كلها من هذه الجهة , مع وجود
حصص أخرى للخير الكثير لم يلتفت إليها
المفسرون . وخاصة إن علمنا إن الكوثر من
مختصات النبي (ص) وكل مختصاته خير كثير بل
هي غير متناهية , بل أن كل صفاته كوثر , من
مصاديق الكوثر . وقد عرفنا إنها معانٍ غير
متنافية . ولكن على تقدير التنافي , كما هو
ظاهر قائليها , وظاهر المفسرين , كما هو
ظاهر الميزان أيضاً , لابد من الرجوع في
التعيين إلى حجة . وإلا كان من تفسير
القرآن بالراي وهو محرم .والحجة هنا , هي
أما ظاهر القرآن او هي السنة الشريفة . فإن
أقمناها , لم يبقى أمامنا معنيان أو ثلاثة ,
على ما سيأتي . ( 1) ج20
ص370 . (2) المصدر والصفحة . والمعاني المهمة
المتصورة ثلاثة : المعنى الأول : الذرية ,
بدليل قوله تعالى : إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ . إذا فسرناه بما فسره مشهور
المفسرين وايده صاحب الميزان . حين قال : (
1)الابترمن لاعقب له . فيكون ذلك . بمنزلة
القرينة المتصلة على ان المراد هو الذرية .
وبه يتحد مضمون السورة كلها , وهدفها , وقد
وردت في ذلك روايات , نقلها صاحب الميزان
(2). فراجع . المعنى الثاني : الحكمة , بدليل
قوله تعالى (3) ) وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ
فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(البقرة:من الآية269) فهي إذن الخير كثير بالحمل
الشائع بنص القرآن , فيكون بمعنى الكوثر .
المنى الثالث : حوض الكوثر .أو نقول ماء في
الدار الآخرة , أما بشكل حوض أو نهر , في
القيامة أو الجنة . فان شكله الحقيقي عن
الله , وهو مما لا نفهمه بطبيعة الحال .وعلى
أي حال , فهذا المعنى ما استفاضت بهالروايات . واشهر حديث روي (4) عن الفريقين :
علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى
يردا عليَّ الحوض .وهو حوض الكوثر لاغير .
وقلنا انه لا تنافي فبين هذه المعاني ,
لورود روايات بوجود بواطن للقرآن الكريم .
فليكن هذا منها . ولكن مع التنزل عن ذلك ,
يمن القول : بان هدف السورة بمنزلة القرينة
المتصلة على إن المراد من الكوثر هو الذرية