مِنةُ اَلمنَان في الدفاع عن القرآن
الجزء الحادي عشر
سورة الهمزة
في تسميتها أطروحات: الأولى: الهمزة، وهوالمشهور. الثانية:الحُطَمِة، كما في بعض
المصادر. الثالثة:السورة التي ذكرت فيها
الهمزة أو الحًطَمِة. الرابعة: رقمها في
تسلسل المصحف وهو: 104. سؤال: قال الله
سبحانه: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ
لُمَزَةٍ . فما هو الويل؟ قال الراغب1-:قال
الأصمعي: ويل: قبح. وقد يستعمل على
التحسِّر. وويس:استصغار.وويح ترحم. ومن
قال: يراد بها جهنم. فانه لم يرد ان ويلا في
اللغة هو موضوع لهذا.وانما أراد: من قال
الله تعالى ذلك فيه، وقد استحق مقراً في
النار وثبت ذلك له. أقول: مرجع ذلك الى ان
الكلمات غير موضوعة لمعان محددة في اللغة.
وانما تستعمل لدى وجود عواطف نفسية معينة.
فويل له. يستعمل لدى التقبيح. وهو التهديد
بالقبح أو الشهادة بالشين. وقد تستعمل
للتحسر لما فات من الأمر. وويس، وهو صوت
أخر يستعمل لدى الاستصغار، وهو الاحتقار
والإهانة. وويح وهو صوت أخر يستعمل للترحم
وهو الشفقة والرافة. وهذا مضمون كلام
الأصمعي. غير ان هذا الأخير قابل
للمناقشة، لان ويح للتهديد مثل ويل. كل
مافي الأمر إننا قد نستعملها قبل حصول
الحادث المفروض، فيكون تهديدا بحصوله. وقد
نستعملها بعده،فيكون إشعارا على انه كان
مستحقا لحصوله. كما قد يكون مقصود المتكلم
إظهار المتكلم التألم عليه من الحادث
الحاصل ، وان كان مستحقا له، أو بغض النظر
عن استحقاقه له. وعلى أي حال، فالاستعمال
القرآني هنا، للدلالة على التنبؤ
والتهديد بحادث استقبالي. وهو العقاب
الأخروي. أو الدلالة على استحقاق العقاب.
قال تعالى: لكل هَمزةٍ لُمزة. في هذين
اللفظين عدة أسئلة : سؤال: في صيغتهما من
حيث كونهما مفردا أو جمعاً. جوابه: ان
كليهما محتمل. فان كان جمعا، فعلامة
التأنيث التي فيه. باعتبار إن الجمع مناسب
للتأنيث باللغة العربية. إلا انه يدل على
إفراده اسم الموصول الذي بعده، ويجعله
كالنص في ذلك. واما الهاء، فباعتبار كونها
صيغة مبالغة بمعنى اسم فاعل. والهاء زيادة
في التأكيد كعلامة وافهامة . سؤال ما هو
الوجه في تأنيث الهمزة واللمزة. مع انه ليس
المقصود بهما عودهما الى مؤنث. جوابه: من
عدة وجوه: الوجه الأول: عودهما إلى مرجع
كلي، والكلي بمنزلة الجمع. والجمع يناسب
التأنيث. الوجه الثاني: ما قلناه قبل قليل
من ان المراد زيادة التأكيد. الوجه الثالث:
ما قاله العكبري2-: الهاء في الهمزة
واللمزة للمبالغة. أقول
والتأكيد,والمبالغة,يرجع محصلهما إلى
معنى عرفي واحد. إن قلت: ولكن الله تعالى:
وصف نفسه بأنه) عَلَّامُ
الْغُيُوبِ)(المائدة: من الآية116).فكيف صح
وصف المخلوق بما هو اكثر تاكيداً من ذلك؟
قلت: إن علمه تعالى لا يقاس بالخلق ولا
يحتاج إلي تأكيد ولذا بصفة((العلام)) بينما
يحتاج الى زيادة التأكيد لكي يعرف بأنه
وصل إلى غاية العلم المتصور له.وعلى هذا
فان التأنيث في الهمزة واللمزة يراد بها
انه وصل إلى غاية ما هو متصور من هاتين
الصفتين. الوجه الرابع: انه تالى لو ذكر
اللفظين لكان على خلاف السياق القرآني
والنسق القرآني. سؤال: ما هو الحاجة إلى
الجمع بين الهمزة واللمزة؟ ولماذا لم يكتف
بواحد منهما؟ جوابه: من عدة وجوه:
1- مادة (ويل ) 2- ج2 , ص
158 . الوجه الأول: انهما ليسا بمعنى واحد,بل
لكل منهما معناه المستقل,وكل منهما مراد
في الآية,والتكرار فيها سيأتي في
تفسيرهما. الوجه الثاني: انه إن تنزلنا عن
الوجه الأول,فستكونان بمعنى واحد,فيكون
المراد باللمزة تشديد النكير على الهمزة
واللمزة,واستقباحهما,فانه حتى لو فعل ذلك
مرة واحدة,فهو عمل في غاية الشناعة,فضلاً
عما إذا كان فعله مكرراً.وهذا اقرب إلى
الفهم العرفي للقران. الوجه الثالث: أن
نقول إن اللمزة,تابع إلى الهمزة. والاتباع
مستعمل في اللغات غير العربية بكثرة,ولكنه
في العربية نادر,وهو ان يتكلم المتكلم
بكلمة ثانية مشابهة للأولى,وليس لها معنى
الكلمة الأولى ,وذلك بقصد الاستهزاء
والاستظراف او التهديد أو التأكيد.أو غير
ذلك,وهي كلمة يستفاد معناها من مدخولها.
واللمزة في الآية الكريمة يمكن ان تكون
صغرى لهذه الكبرى,والاحتمال مبطل
للاستدلال.ولا تكون لغواً بل ذكرت بقصد
الاستهزاء اوالتاكيد أو نحو ذلك.ان قلت:
اللمزة لا يحتمل أن تكون للاتباع لان
لازمة إنها لا معنى لها,لان الكلمة
التابعة لا معنى لها.ولا يمكن ان تكون في
القران الكريم كلمة لا معنى لها. قلت:
جوابه من اكثر من وجه: اولاً: الطعن في
الكبرى,وهي ضرورة خلو القران الكريم,من
أية كلمة لا معنى لها بل يمكن القول بإمكان