السيد جعفر مرتضى العامليالطبعة الثالثة:1423هـ. 2002م. بيروت لبنانالإهداء:بسمه تعالى، وله الحمد، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين. إلى روح الرجل الفذ. ورائد الحرية، ورمز الصدق والصراحة.ومثال الشجاعة والطهر. العالم العامل، والمجاهد الصابر. إلى روح الشيخ المفيد - رحمه الله -. نعم.. إلى روحه الطاهرة. أهدي ثواب هذا الجهد المتواضع، طلباً منّي لدرجات القرب، وحبّاً برضى الربّ الكبير المتعال. جعفرتقديم:بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمد وآله الطيبين الطاهرين.. واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.. وبعد.. فإنّني لا أريد هنا كتابة مقدّمة لهذا البحث، وما أُريده فقط هو التذكير بالنقاط التالية:1ـ إنّ هذا البحث، لم يكن المقصود منه استقصاء النصوص والأحداث، وعرضها بصورة تفصيلية. وإنّما كان يرمي إلى تسليط الضوء على قضايا قلّما حظيت باهتمام الكتّاب والباحثين، وتقديم نماذج محدودة منها، في محاولة لجلب انتباه رواد العلم، ورجال الفكر، المخلصين لدينهم، ولأُمّتهم، وللحقيقة مهما حاولت الأيدي تشويهها، والعبث بها، وحتى طمس معالمها. 2ـ قد يكون الموضوع الذي طرحناه هنا محرجاً لبعض الناس، في نفس الوقت الذي تكون فيه الحقائق التي أوردناها فيه جارحة ومثيرة لعواطف ومشاعر بعض آخر. ولكن ليعلم كلا الفريقين:أنّ هدفنا لم يكن أبداً هو جرح عاطفة هؤلاء، ولا إحراج أُولئِك، فإنّ الحق أحقّ أن يتّبع، وأولى أن يكون هو الدافع لمعاناة بحوث كهذه، لا تجلب لصاحبها إلاّ اللوم من فريق، والتقريع الذي يصل إلى حدّ التهمة من فريق آخر. 3ـ إنّ هذا البحث قد كتب بمناسبة مرور ألف سنة على وفاة العالم الفذ، عملاق الفكر، ورائد الإيمان في عصره الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، الملقب بالشيخ المفيد. فكان من الطبيعي أن يقتصر البحث فيه على خصوص عصر هذا الرجل، وهو النصف الثاني من القرن الرابع، إلى بدايات القرن الخامس الهجري مع حصر الموضوع في ما يرتبط بمعاناته الفكرية - رحمه الله -. وهو يريد أن يجيب عن سؤال:ما هو السر في صراحة الشيخ المفيد، في طرحه للقضايا الحساسة، ووضوحه في تقديمه لآرائه حولها. 4ـ إنّ هذا البحث ينقسم إلى ثلاثة أقسام:الأول:يتحدّث عن معاناة فريق من الناس.أراد أن يمارس حقّه في حرية الفكر، والاعتقاد، والتعبير، في حدود الضوابط الشرعية، والإنسانية ؛ فثارت ثائرة فريق آخر، وعمل كلّ شيء في سبيل سلبه ذلك الحق، وحتى سلبه حقّ الوجود والحياة من الأساس. الثاني:أُشير فيه إلى نهجين مختلفين من التعامل مع قضايا الفكر، والاعتقاد، بهدف رؤية أنّ الشيخ المفيد كان أي النهجين يلتزم، وفي أي اتجّاه كان يتحرّك في حياته العلمية والفكرية. الثالث:تقديم نماذج يسيرة ممّا تفاوت فيه الموقف واختلف، انطلاقاً من عصبيات وأهواء غير متوازنة، حيث يظهر بوضوح:أنّ ثمة فريقاً لا يعتمد الإنصاف والموضوعية، في حركته وفي مواقفه، وفي تعامله مع القضايا بصورة عامة. والله نسأل أن يلهمنا صواب القول، وحسن العمل، وأن يجعل عواقب أُمورنا خيراً. وهو الموفّق والمسدّد، والمستعان. ولا حول ولا قوّة إلا بالله. حرّر في قم المشرفة 14 / ج2 / 1413ه.ق جعفر مرتضى العاملي
الفصل الأوّل لمحات عن المأساة المرّة
سؤال يحتاج إلى جواب:إنّ من يراجع مؤلفات وكتابات الشيخ المفيد، قد يتبادر إلى ذهنه السؤال التالي:لماذا يطرح هذا الرجل أُموراً حساسة، ويعالجها بصراحة ووضوح، وذلك في أحرج الأوقات وأصعبها ولا يأخذ في اعتباره أنّ ذلك قد يجرح عاطفة هذا، ويسيء إلى مشاعر ذاك؟!. ألم يكن الأولى والأجدر أن ينأى بنفسه عن