د.إبراهيم خليل تقديم لم يكن الفتح العربي الإسلامي لإسبانيا سنة (92هـ) كغيره من الفتوح.وإنما تميز بطول إقامة الفاتحين في ذلك البلد الأوروبي.إذ زاد المقام فيها على الثمانية قرون، انهمكوا خلالها في إنشاء حضارة وثقافة عمّ خيرها المحكومين من نصارى ومسلمين ويهود وشمل أثرها عدداً من البلدان مثل: جنوب غرب فرنسا وشمالي إسبانيا فقشتالة وأراغون وجزيرة صقليه وميورقه وجزيرة شقر فضلاً عن البرتغال ولا نبالغ إذا قلنا إن أثر هذه الحضارة امتدّ إلى رومة والفاتيكان في إيطالية.ولم يكن سقوط الأندلس ومعقلها الأخير غرناطة في كانون الثاني 1492م حادثاً عادياً كغيره من حوادث يدوّنها المؤرخون ولكنه كان خاتمة لمأساة مثلما كان فاتحة لعهد جديد من المآسي.فلم يتقبل الكثير من الباحثين والدارسين والمؤرخين اقتلاع الحضارة الأندلسية من جذورها بهذا اليسر وتلك السهولة.فكثرت الاجتهادات والتأويلات.فمنهم من عزا ذلك إلى أن الحقبة التي شهدت سقوط غرناطة كانت المعارف والثقافات العربية الإسلامية فيها قد تراجعت.وخيّمت فكرة النقل بديلاً للعقل على النخبة المثقفة من منتجي العلوم والمعارف وفنون الحكمة والأدب وغيره ممّا أدّى إلى نكوص تلك الحضارة وانتقال شعلتها إلى الغرب عن طريق معاهد التعليم في طليطلة وصقلية وقرطبة.ومنهم من رأى في السياسات التي اتبعت بعد السقوط وعلى رأسها سياسة التنصير القسري، والتهجير الجماعي، والتعسّف بأشكاله المختلفة، وأصنافه المتعددة، هي التي أدت إلى طَمْس الكثير من معالم التراث المشترك الذي صاغه المسلمون والنصارى في أندلس الخلافة وأندلس الطوائف.بيد أنّ هذه السياسات كلّها، وعلى الرغم مما تركته من معاناة، لم تفلح في إطفاء شعلة الأندلس.فقد هُرع الكتاب والشعراء والقصاصون والمرتحلون والباحثون من مستشرقين وغير مستشرقين إلى إبقاء السراج مشتعلاً والفتيل متّقداً من خلال ما كتبوه ودوّنوه وصنفوه من مؤلفات، بعضها يعتمد البحث والاستقصاء والتجميع والتوثيق، وبعْضها يعتمد الخلق والإبداع والابتكار، بما في ذلك اللجوء إلى صنوف التخييل وضروب التمثيل، إن كان الأمر في أشْعارِ تُنْظَم، أو قِصَصٍ ترْوى، أو روايات تسرد سرْداً مستعيناً بالتاريخ حيناً، متجاوزة له في أحايين أخرى.وقد تواصل هذا النشاط العلمي والإبداعي فشهد جَزْراً في زمن، ومدّاً دافقاً في زمن ثانٍ.وإذا ما اقتربنا من القرن الماضي -التاسع عشر- وجدنا الموضوع الأندلسي يدلف بثقة إلى كلاسيكيات الأدب العالمي.فهذا واشنطن إرفنغ -الكاتب الأمريكي اللامع- يكتب كتاباً جيداً باسم الحمراء Al -Hambra يُطْبع مرتين في أقلّ من عشرين عاماً.وهذا بوشكين شاعر روسيا الأكبر يذكر في إحدى قصائده حكاية أندلسية هي حكاية المنجم العربي، ولم ينقطع الأدباء الإسبان عن الإشارة في أعمالهم الأدبية والقصصية إلى ماضي الأندلس الزاهر الذي شيّده المسلمون.وملحمة "السيد" هي واحدة من النصوص الكلاسيكية الإسبانية التي أفادت من هذا الماضي على الرغم مما يسودها من نظرة استعلائية ودعائية متحيّزة.وثمة أغانٍ شعبية كثيرة اشتهرت في إسبانيا في القرنين السابع والثامن عشر تعتمد على استعادة ذلك الماضي.وبعض هذه الأغاني يعبر عن وجهة نظر متعاطفة مع مُسْلمي الأندلس.فتقول إحدى هذه الأغاني: لو شِئْتُ يا غرناطة لتزوَّجْتك وليكُُنْ مَهْرك قرْطبة أو إشبيلية وتردّ غرناطة: إنني متزوّجة أيها الملك ولسْت أرْمَلة والمُسْلِمُ الذي يملِكُني يحبّني غايةَ الحبّ.وظهرت أعمال روائية منها رواية "ابن سراج" التي أفاد منها شاتوبريان الفرنسي في روايته القصيرة "آخر بني سراج" التي عربّها أمير البيان شكيب أرسلان.وثمّة رواية أخرى أقل تحيّزاً كتبت باسم الحروب الأهلية في غرناطة Guerras Ciriles de Granada لمؤلّفها بيريث دي ايتا Perez de Hita وهي رواية لا تخلو من بعض المغالطات ومن ذلك أنّ المؤلّف يذكر سورة في القرآن الكريم باسم سورة السيف وهذا غير صحيح.وظهرت في القرن العشرين روايات إسبانية عديدة عن الأندلس.إحداها باسم زرياب لخيوس جريوس(1987) Jesus Creus ورواية إسبانية المخطوط القرمزي ElManiscrito Carmesi لمؤلّفها الكاتب أنطونيو غالا Antonio Gala (1990) التي يجد القارئ تحليلاً لها في الفصل