بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
حبذا يوم الشعانين وما نلت فيه من نعيمٍ لو يدوم إن أكن أعظمت أن همت به فالذي تركب من عذلي عظيم لم اكن أول من سن الهوى فدع العذل فذا داءٍ قديم وروى أبو الفرج بسنده إلى محمد بن جبيرٍ قال: كنا عند أبي عيسى بن الرشيد في زمن ربيع وعندنا مخارق وعلويه وعبد الله بن العباس الربيعي و عبد الله بن الحارث بن بسخنر ونحن مصطحبون في طارمةٍ مضروبةٍ على بستانه وقد تفتح فيه ورد وياسمين وشقائق والسماء متغيمة غيماً مطبقاً وقد بدأت ترش رشاً ساكباً، فنحن في أكمل نشاطٍ وأحسن يومٍ، إذ خرجت قيمة دار أبي عيسى فقالت: يا سيدي، قد جاءت عساليج، قال: تخرج إلينا فليس بحضرتنا من تحتشمه. قال: فخرجت إلينا جاريةٌ شكلةٌ حلوةٌ حسنة العقل والهيئة والأدب في يدها عودٌ فسلمت، وأمرها أبو عيسى بالجلوس فجلست. وغنى القوم حتى انتهى الدور إليها، وظننا أنها لا تصنع شيئاً وخفنا أن تهابنا فتحصر، فغنت غناءً حسناً مطرباً متقنا، لم تدع أحداً ممن حضر إلا غنت صوتاً من صنعته فأدته على غاية الإحكام، فطربنا واستحسنا غناءها و خاطبناها بالاستحسان، وألح عبد الله بن العباس من بيننا بالاقتراح عليها والمزاح معها والنظر إليها. فقال أبو عيسى: عشقتها وحياتي يا عبد الله! فقال: لا والله يا سيدي وحياتك ما عشقتها، ولكن استملحت كل ما شاهدته منها من منظرٍ وشكلٍ وعقلٍ وعشرةٍ وغناء. فقال له: ويحك! فهذا والله هو العشق وسببه. ورب جدٍ جره اللعب. قال: وشربنا، فلما غلب النبيذ على عبد الله غنى أهزاجاً قديمةً وحديثة، وغنى فيما بينها هزجاً في شعرٍ قاله فيها لوقته، فما فطن له إلا أبو عيسى، وهو: نطق المكتوم مني فبدا كم ترى المكتوم مني لا يضح سحر عينيك إذا ما رنتا لم يدع ذا صبوةٍ أو يفتضح ملكت قلباً فأمسى غلقاً عندها صباً بها لم يسترح بجمالٍ وغناءٍ حسنٍ جل عن أن ينتقيه المقترح أورث القلب هموماً ولقد كنت مسروراً بمرآه فرح ولكم مغتبق هماً وقد باكر اللهو بكور المصطبح فقال له أبو عيسى: فعلتها والله يا عبد الله، صح والله قولي لك في عساليج وأنت تكابر حتى فضحك السكر. فجحد وقال: هذا غناءٌ كنت أرويه. فحلف أبو عيسى أنه ما قاله وما غناه إلا في يومه، وقال له: احلف بحياتي أن الأمر ليس هو كذلك! فلم يفعل. فقال أبو عيسى: والله لو كانت لي لوهبتها لك، ولكنها لآل يحيى ابن معاذ، ووالله إن باعوها لأملكنك إياها ولو بكل ما املك! ووحياتي لتنصرفن قبلك إلى منزلك. ثم دعا بحافظتها وخادماً من خدمه فوجه بها معهما إلى منزله. والتوى عبد الله قليلاً وتجلد ثم انصرف. واتصل الأمر بينهما بعد ذلك فاشترتها عمته رقية بنت الفضل بن الربيع من آل يحيى بن معاذ، وكانت عندهم حتى ماتت. قال: وقالت بذل الكبيرة لعبد الله بن العباس: قد بلغني أنك عشقت جاريةً اسمها عساليج، فاعرضها علي، فإما أن عذرتك أو عذلتك، فوجه إليها فحضرت، وقال لبذل: هذه هي يا سيدتي، فاسمعي وانظري ثم مريني بما شئت أطعك. فأقبلت عليه عساليج وقالت: يا عبد الله، أتشاور في! فوالله ما شاورت فيك لما حبتك. فقالت بذل: أحسنت والله يا صبية! ولو لم تحسني شيئاً ولا كانت فيك خصلةٌ تحمد لوجب أن تعشقي لهذه الكلمة. ثم قالت لعبد الله: ما ضيعت، احتفظ بصاحبتك هذه. وقال حمدون بن إسماعيل: دخلت يوماً على عبد الله بن العباس الربيعي وخادمٌ له يسقيه، وبيده عودٌ وهو يغني: إذا اصطحبت ثلاثاً وكان عودي نديمي والكأس تضحك ضحكاً من كف ظبيٍ رخيم فما على طريقٌ لطارقات الهموم فما رأيت احسن مما حكى حاله في غنائه ولا سمعت أحسن مما غنى.ومن صنعته وشعره قوله صدع البين والفؤادا إذ به الصائح نادى بينما الأحباب مجمو عون إذ صاروا فرادى فأتى بعضٌ بلادأً وأتى بعضٌ بلادا