بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الأمر معذور ليس المحب كمن إن شط غيره هجر الحبيب، وفي الهجران تغيير فحينئذٍ شاع أمري وظهر ذكري وقصدني الناس وجلست للتعليم، فكان الجواري يكثرن عندي، وربما انصرف أكثرهن ولم يأخذن شيئاً سوى ما سمعنني أطارح غيرهن، وقد كسبت لموالي ما لم يخطر لهم ببال، وأهل ذلك كانوا وكنت. وقد أقر لجميلة كل مكيٍ ومدنيٍ من المغنين. قال: ولما قدم ابن سريج والغريض وابن مسجح وسلم بن محرز المدينة واجتمعوا هم ومعبد وابن عائشة حكموها بينهم، واجتمعوا عندها، وصنع كلٌ منهم صوتاً وغناه بحضرتها - وقد ذكر الأصفهاني الأصوات - فلما سمعت الأصوات قالت: كلكم محسنٌ ومجيدٌ في غنائه ومذهبه. قال ابن عائشة: ليس هذا بمقنع. قالت: أما أنت يا أبا يحيى فتضحك الثكلى بحسن صوتك ومشاكلته النفوس. وأما أنت يا أبا عباد فنسيج وحده بتأليفك وحسن نظمك وعذوبة غنائك. وأما أنت يا أبا عثمان فلك أولية هذا الأمر وفضله. وأما أنت يا أبا جعفر فمع الخلفاء تصلح. وأما أنت يا أبا الخطاب فلو قدمت أحداً على نفسي لقدمتك. وأما أنت يا مولى العبلات فلو ابتدأت قدمتك عليهم. ثم سألوها جميعاً أن تغنيهم لحناً كما غنوا، فغنتهم، فكلهم أقروا لها وفضلوها. وكانت جميلة قد آلت أنها لا تغني أحداً إلا في منزلها. فكان عبد الله بن جعفر يأتيها في مجلسها فيجلس عندها وتغنيه. فأرادت أن تكفر عن يمينها وتأتيه فتغنيه في بيته، فقال: لا أكلفك ذلك. وروى الأصفهاني أن ابن أبي عتيق وابن أبي ربيعة والأحوص بن محمدٍ الأنصاري أتوا منزل جميلة واستأذنوا عليها فأذنت لهم. فلما جلسوا سألت عن عمر، فقال لها: إني قصدتك من مكة للسلام عليك، فقالت: أهل الفضل أنت. قال: وقد أحببت أن تفرغي لنا نفسك اليوم وتخلي مجلسك، قالت: أفعل. فقال لها الأحوص: أحب ألا تغني إلا بما نسألك، فقالت: ليس المجلس لك، القوم شركاؤك، فقال: أجل. قال عمر: فإني أرى أن نجعل الخيار إليها. قال ابن أبي عتيق: وفق الله. فدعت بعود فغنت: تمشي الهوينى إذا مشت فضلاً مشي النزيف المخمور في الصعد تظل من بعد بيت جارتها واضعةً كفها على الكبد يا من لقلبٍ متيمٍ سدمٍ عانٍ رهينٍ مكلم كمد أزجره وهو غير منزجرٍ عنها بطرفٍ مكحل السهد قال راوي هذه الحكاية: فلقد سمعت للبيت زلزلةً وللدار همهمةً. فقال عمر: لله درك يا جميلة! ماذا أعطيت! أنت أول الغناء وآخره! ثم سكتت ساعةً وأخذت العود فغنت، فطرب القوم وصفقوا بأيديهم وفحصوا بأرجلهم وحركوا رءوسهم، وقالوا: نحن فداؤك من المكروه، ما أحسن ما غنيت وأجمل ما قلت!، وأحضر الغداء فتغدى القوم بأنواع من الأطعمة ومن الفواكه، ثم دعت بأنواع الأشربة، فقال عمر: لا اشرب، وقال ابن أبي عتق مثل ذلك، فقال الأحوص: لكني أشرب، وما جزاء جميلة أن يمتنع من شرابها! فقال عمر: ليس ذلك كما ظننت. فقالت جميلة: من شاء أن يحملني بنفسه ويخلط روحه بروحي فعل، ومن أبي ذلك عذرناه، ولم يمنعه ذلك عندنا ما يريد من قضاء حوائجه والأنس بمحادثته. قال ابن أبي عتيق: ما يحسن بنا إلا مساعدتك. فقال عمر: إني لا أكون أخسكم، افعلوا ما شئتم تجدوني سامعاً مطيعاً. فشرب القوم أجمع، فغنت بشعر ابن أبي ربيعة: ولقد قالت لجاراتٍ لها كالمها يلعبن في حجرتها خذن عني الظل لا يتبعني ومضت تسعى إلى قبتها لم تعلق رجلاً فيما مضى طفلةٌ غيداء في حلتها لم يطش قط لها سهمٌ ومن ترمه لا ينج من رميتها فصاح عمر ثم شق جيب قميصه إلى أسفله، ثم ثاب إليه عقله فندم واعتذر وقال: لم أملك من نفسي شيئاً. وقال القوم: قد أصبنا الذي أصابك وأغمي علينا غير أننا قد فارقناك في تخريق الثياب. فدعت جميلةٌ بثيابٍ فجعلتها على عمرٍ فقبلها ولبسها، وانصرف القوم إلى منازلهم. وكان عمر نازلاً على ابن أبي العتيق، فوجه إلى جميلة بعشرة آلاف درهم وعشرة أثوابٍ كانت معه فقبلتها جميلة، وانصرف عمر إلى مكة جذلان