بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
قد عيل الصبر، ولو كان أحدٌ ينتفع فيما يبتلى به من الهوى بتقاه، أو يدفع ما أقصده بحجاه لكان أولى الناس به داود حين ابتلي به؛ فقال: اكتم يا بني أمرك، فإن البوح به غير نافعك، والله بالغ أمره فيك، ولابد مما هو كائن. وأخذ معاوية في الاحتيال في تبليغ يزيد مناه، فكتب إلى زوجها عبد الله بن سلام، وكان قد استعمله على العراق: أن أقبل حين تنظر كتابي لأمر فيه حظك إن شاء الله تعالى فلا تتأخر عنه. فأغذ السير وقدم، فأنزله معاوية منزلاً كان قد هيئ له وأعد فيه نزله؛ وكان عند معاوية يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو درداء، فقال لهما معاوية: إن الله قد قسم بين عباده قسماً ووهبهم نعماً أوجب عليهم فيها شكره وحتم عليهم حفظها، فحباني منها عز وجل بأتم الشرف وأفضل الذكر، وأوسع علي الرزق، وجعلني راعي خلقه، وأمينه في بلاده، والحاكم في أمر عباده، ليبلوني أ أشكر أم أكفر. وأول ما ينبغي للمرء أن يتفقد وينظر من استرعاه الله أمرهم، ومن لا غنى به عنه. وقد بلغت لي ابنة أريد إنكاحها والنظر في اختيار من يباعلها، لعل من يكون بعدي يقتدى فيه بهديي ويتبع فيه أثري فإنه قد يلي هذا الملك بعدي من يغلب عليه الشيطان ويرقيه إلى تعضيل بناتهم فلا يرون لهم كفؤاً ولا نظيراً، وقد رضيت لها ابن سلام القرشي، لدينه وشرفه وفضله ومروءته وأدبه؛ فقالا له: إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما اختصه منها لأنت؛ فقال لهما معاوية: فاذكرا له ذلك عني، وقد كنت جعلت لها في نفسها شورى، غير أني أرجو ألا تخرج من رأيي إن شاء الله. فخرجا من عنده وأتيا عبد الله بن سلام وذكرا له القصة. ثم دخل معاوية على ابنته وقال لها: إذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة فعرضا عليك أمر عبد الله بن سلام وحضاك على المسارعة إلى اتباع رأيي فيه، فقولي لهما: إنه كفء كريم وقريب حميم، غير أن تحته زينب بنت إسحاق، وأخاف أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء فأتناول منه ما يسخط الله تعالى فيه فيعذبني عليه، ولست بفاعلةٍ حتى يفارقها. فلما اجتمع أبو هريرة وأبو الدرداء بعبد الله وأعلماه بقول معاوية، ردهما إليه يخطبان له منه، فأتياه؛ فقال: قد علمتما رضائي به وحرصي عليه، وكنت قد أعلمتكما الذي جعلت لها في نفسها من الشورى، فادخلا عليها واعرضا عليها الذي رأيت لها. فدخلا عليها وأعلماها؛ فقالت لهما ما قاله معاوية لها. فرجعا إلى ابن سلام وأعلماه بما قالته. فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا فراق زينب أشهدهما بطلاقها وأعداهما إلى ابنة معاوية. فأتيا معاوية وأعلماه بما كان من فراق عبد الله زوجته رغبةً في الاتصال بابنته؛ فأظهر معاوية كراهة فعله وفراقه لزينب وقال: ما استحسنت له طلاق امرأته ولا أحببته، فانصرفا في عافية ثم عودا إليها وخذا رضاها، فقاما ثم عادا إليه، فأمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها عن رضاها تبرياً من الأمر، وقال: لم يكن لي أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى في نفسها. فدخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام امرأته ليسرها، وذكراً من فضله وكمال مروءته وكرم محتده؛ فقالت لهما: إنه في قريش لرفيع القدر، وقد تعرفان أن الأناة في الأمور أرفق لما يخاف من المحذور، وإني سائلةٌ عنه حتى أعرف دخلة أمره وأعلمكما بالذي يزينه الله لي، ولا قوة إلا بالله؛ فقالا: وفقك الله وخار لك. وانصرفا عنها، وأعلما عبد الله بقولها؛ فأنشد: فإن يك صدر هذا اليوم ولى فإن غداً لناظره قريب وتحدث الناس بما كان من طلاق عبد الله زينب وخطبته ابنة معاوية، ولاموه على مبادرته بالطلاق قبل إحكام أمره وإبرامه. ثم استحث عبد الله أبا هريرة وأبا الدرداء؛ فأتياها وقالا لها: اصنعي ما أنت صانعة واستخيري الله، فإنه يهدي من استهداه؛