بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الشمس كالحجة في الظهور، والمسك كالثناء في الطيب، كان ذلك سخفاً من القول. فأما ما جاء في الشعر من تشبيه المحسوس بالمعقول فوجهه أن يقدر المعقول محسوساً، ويجعل كالأصل المحسوس على طريق المبالغة، فيصح التشبيه حينئذ كما قال الشاعر: وكأن النجوم بين دجاها سنن لاح بينهن ابتداع فإنه لما شاع وصف السنة بالبياض والإشراق، واشتهرت البدعة وكل ما ليس بحق بالظلمة تخيل الشاعر أن السنن كأنها من الأجناس التي لها إشراق ونور، وأن البدع نوع من الأنواع التي لها اختصاص بالسواد والظلمة، فصار ذلك كتشبيه محسوس بمحسوس، فجاز له التشبيه، وهو لا يتم إلا بتخيل ما ليس بمتلون "متلوناً" ثم يتخيله أصلاً فيشبه به، وهذا هو الذي تؤول في قول أبي طالب الرقي: ولقد ذكرتك والظلام كأنه يوم النوى وفؤاد من لم يعشق فإنه لما كانت الأوقات التي تحدث فيها المكاره توصف بالسواد كما يقال: اسودت الدنيا في عينه، جعل يوم النوى كأنه أشهر بالسواد من الظلام، فعرفه به وشبهه، ثم عطف عليه فؤاد من لم يعشق لأن من لم يعشق عندهم قاسي القلب والقلب القاسي يوصف بشدة السواد، فأقامه أصلاً، فقس على هذا المثال. قال: واعلم أن ما به المشابهة قد يكون مقيداً بالانتساب إلى شئ، وذلك إما إلى المفعول به كقولهم: "أحذ القوس باريها" وإلى ما يجري مجرى المفعول به وهو الجار والمجرور كقولهم لمن يفعل ما لا يفيد: كالراقم على الماء وإما إلى الحال، كقولهم: "كالحادي وليس له بعير" وإما إلى المفعول والجار والمجرور معاً، كقولهم: هو كمن يجمع السيفين في غمد وكمبتغي الصيد في عرينة الأسد" ومن ذلك قوله تعالى: "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً" فإن التشبيه لم يحصل من مجرد الحمل بل لأمرين آخرين، لأن الغرض توجيه الذم إلى من أتعب نفسه في حمل ما يتضمن المنافع العظيمة ثم لا ينتفع به لجهله، وكقول لبيد: وما الناس إلا كالديار وأهلها بها يوم حلوها وغدوا بلاقع فإنه لم يشبهه الناس بالديار، وإنما شبه وجودهم في الدنيا وسرعة زوالهم بحلول أهل الديار فيها، ووشك رحيلهم منها، قال: وكلما كانت التقييدات أكثر كان التشبيه أوغل في كونه عقلياً كقوله تعالى: "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس" فإن التشبيه متنزع من مجموع هذه الجمل من غير أن يمكن فصل بعضها عن بعض، فإنك لو حذفت منها جملة واحدة من أي موضع كان أخل ذلك بالمغزى من التشبيه قال: ثم ما به المشابهة إن كان مركباً فإنه على قسمين: الأول ما لا يمكن إفراد أحد أجزائه بالذكر، كقول القاضي التنوخي: كأنما المريخ والمشتري قدامه في شامخ الرفعه منصرف بالليل من دعوة قد أسرجت قدامه شمعه فإنك لو اقتصرت على قوله: كأن المريخ منصرف من دعوة أو كأن المشتري شمعة لم يحصل ما قصده الشاعر، فإنه إنما قصد الهيئة التي يلبسها المريخ من كون المشتري أمامه. الثاني ما يمكن إفراده بالذكر ويكون إذا أزيل منه التركيب صحيح التشبيه في طرفيه إلا أن المعنى يتغير، كقول أبي طالب الرقي: وكأن أجرام النجوم لوامعاً درر نثرن على بساط أزرق فلو قلت: كأن النجوم درر، وكأن السماء بساط أزرق وجدت التشبيه مقبولاً ولكن المقصود من الهيئة المشبه بها قد زال. قال: وربما كان التشبيه في أمور كثيرة لا يتقيد بعضها ببعض، وإنما يكون مضموماً بعضها إلى بعض وكل واحد منها منفرد بنفسه، كقولك: زيد كالأسد بأسا، والبحر جودا، والسيف مضاء والبدر بهاء، وله خاصيتان: إحداهما أنه لا يحب فيه الترتيب، والثانية أنه إذا سقط البعض لم يتغير حكم الباقي. ومن المتأخرين من ذكر في التشبيه سبعة أنواع: الأول التشبيه المطلق، وهو أن يشبه شيئاً بشيء من غير عكس ولا تبديل كقوله تعالى: