بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
وكلما زاد التشبيه خفاء زادت الاستعارة حسناً بحيث تكون ألطف من التصريح بالتشبيه، فإنك لو رمت أن تظهر التشبيه في قول ابن المعتز: أثمرت أغصان راحته لجناة الحسن عنابا احتجت أن تقول: أثمرت أصابع راحته التي هي كالأغصان لطالب الحسن شبه العناب من أطرافها المخضوبة وهذا مما لا خفاء بغثاثته. وربما جمع بين عدة استعارت إلحاقاً للشكل بالشكل لإتمام التشبيه فتزيد الاستعارة به حسناً، كقول امرئ القيس في صفة الليل: فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف أعجازاً وناء بكلكل فصل فيما تدخله الاستعارة وما لا تدخله قال: الأعلام لا تدخلها الاستعارة لما تقدم في المجاز، وأما الفعل فالاستعارة تقع أولاً في المصدر، ثم تقع بواسطة ذلك في الفعل، فإذا قلت: نطقت الحال بكذا فهذا إنمّا يصحّ لأنّك وجدت الحال مشابهة للنطق في الدلالة على الشيء، فلا جرم "أنك" اسبتعرت النطق لتلك الحالة ثن نقلته إلى الفعل. والأسماء المشتقة في ذلك كالفعل؛ فظهر أن الاستعارة إنما تقع وقوعاً أولياً في أسماء الأجناس، ثم الفعل إذا كان مستعاراً فاستعارته إما من جهة فاعله، كقوله: نطقت الحال بكذا ولعبت بي الهموم، وقول جرير: يحي الروامس ربعها فتجده بعد البلى وتميته الأمطار وقول أبي حية: وليلة مرضت من كل ناحية فما تضئ لها شمس ولا قمر أو من جهة مفعوله، كقول ابن المعتز: جمع الحق لنا في إمامٍ قتل الجوع وأحي السماحا أو من جهة مفعوليه، كقوله الحريري: وأقرئ المسامع إما نطقت بياناً يقود الحرون الشموسا أو من جهة أحد مفعوليه، كقول الشاعر: نقريهم لهذميات نقد بها ما كان خاط عليهم كل زراد أو من جهة الفاعل والمفعول، كقوله تعالى: "يكاد البرق يخطف أبصارهم" قال: ويتصل بهذا ترشيح الاستعارة وتجريدها، إما ترشيحها فهو أن ينظر فيها إلى المستعار، ويراعى جانبه، ويوليه ما يستدعيه ويضم إليه ما يقتضيه، كقول كثير. رمتني بسهم ريشه الهدب لم يصب بظاهر جسمي وهو في القلب جارح وكقول النابغة: وصدرٍ أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب فالمستعار في كل واحد منهما وهو الرمي والإراحة منطور إليهما في لفظ السهم والعازب، وكما أنشد صاحب الكشاف: ينازعني ردائي عند عمرو رويدك يا أخا عمرو بن بكر لي الشطر الذي ملكت يميني ودونك فاعتجر منه بشطر أراد بردائه سيفه، ثم نظر إلى المستعار في لفظ الاعتجار، وأما تجريدها فهو أن يكون المستعار له منظوراً إليه، كقوله تعالى: "فأذاقها الله لباس الجوع والخوف" فإن الإذاقة لما وقعت عبارة عما يدرك من أثر الضرر والألم تشبيهاً له بما يدرك من الطعم المر البشع، والباس عبارة عما يغشى منهما ويلابس فكأنه قال: فأذاقها الله ما غشيها من ألم الجوع والخوف، وكقول زهير: لدي أسدٍ شاكي السلاح مقذف له لبد أظفاره لم تقلم فلو نظر إلى المستعار لقال: أسد دامي المخالب أو دامي البراثن، ونظر زهير في آخر البيت إلى المستعار أيضاً، ومنه قول كثير: غمر الرداء إذا تبسم ضاحكاً غلقت لضحكته رقاب المال استعار الرداء للمعروف لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه ووصفه بالغمر الذي هو وصف المعروف والنوال لا وصف الرداء. قال: ويقرب من ذلك الاستعارة بالكناية وهي أن لا يصرخ بذكر المستعار بل بذكر بعض لوازمه تنبيهاً به عليه، كقولهم: شجاع يفترس أقرانه، وعالم يغترف منه الناس. وكقول أبي ذؤيب: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع تنبيهاً على أن الشجاع أسد، والمنية سبع، والعالم بحر، وهذا وإن كان يشبه الاستعارة المجردة إلا أنه أغرب وأعجب، ويقرب منه قول زهير: