بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
استقذاراً له على مذهبهم في ذلك، فمضى الغلام به وخرجت أخته في أثره، وهرب قباذ فلحق بأرض الهياطلة يستمد ملكها ليمده بجيش يحارب من خالفه، ويقال: إن زواجه بأم كسرى أنوشروان كان في هذه السفرة لا في تلك، وأنه تزوجها بأبرشهر، وهي ابنة رجل من عظمائها، وأنه رجع به وبأمه عند عوده من بلاد الهياطلة. قال: وسار قباذ إلى ملك الهياطلة فأقام عنده عدة سنين، ثم عاد إلى بلاده بأمداده، فغلب على أخيه ونزعه من الملك بعد أن ملك ست سنين. ثم عاد قباذ إلى الملك ثانياً، ولما عاد إلى الملك وجد ابن ساخورا قد وثب في جماعة من أصحابه على مزدك فقتله، فسعى به إلى قباذ فقتله بمزدك. قال: ثم غزا الروم وافتتح آمد، ثم أدبر ملكه لسوء عقيدته. وهلك قباذ إثر ذلك. وكان سبب هلاكه أن الحارث بن عمرو الكندي قتل النعمان بن المنذر ابن امرئ القيس، وملك العرب وما كان ملكه النعمان، فبعث قباذ بن فيروز إلى الحارث بن عمرو يقول: إنه كان بيننا وبين الملك الذي كان قبلك عهد، وإني أحب لقاءك، وخرج للقائه في عدد وعدة، وجاءه الحارث والتقيا بمكان، فأمر قباذ بطبق من تمر فنزع نواه وبطبق آخر على حالته، فوضعا بين أيديهما، وجعل المنزوع بين يدي قباذ، والذي هو بنواه بين يدي الحارث، فجعل الحارث يأكل التمر ويلقي النوى، وقباذ يأكل التمر ولا يحتاج إلى غلقاء شيء. فقال للحارث: مالك لا تأكل كما آكل؟ فقال الحارث: غنما يأكل النوى إبلنا وغنمنا، وعلم أن قباذ يهزأ به. ثم افترقا على الصلح على ألا يجاوز الحارث وأصحابه الفرات، إلا أن الحارث استضعف قباذ وطمع فيه. فأمر أصحابه أن يعبروا الفرات ويغيروا على قرى السواد ففعلوا ذلك، فجاء الصريخ إلى قباذ وهو بالمدائن، فكتب إلى الحارث بن عمرو أن لصوصاً من العرب قد أغاروا على السواد، وأنه يحب لقاءه فلقيه، فقال قباذ كالعاتب له: قد صنعت صنيعاً ما صنعه أحد قبلك، فطمع الحارث فيه من لين كلامه وقال: ما علمت بذلك ولا شعرت به، وإني لا أستطيع ضبط لصوص العرب، وما كل العرب تحت طاعتي، ولا أتمكن منهم إلا بالمال والجنود. فقال له قباذ: فما الذي تريد؟ قال: أريد أن تعطيني من السواد ما أتخذ به سلاحاً، فأمر له بمايلي جانب العرب من أسفل الفرات؛ وهو ستة طساسيج؛ فعند ذلك زاد طمع العرب فيه، وأرسل الحارث بن عمرو إلى تبع وهو باليمن: إني قد طمعت في ملك الأعاجم، وقد أخذت منه ستى طساسيج، فأجمع الجنود وأقبل فإنه ليس دون ملكهم شيء؛ لأن الملك عليهم لا يأكل اللحم ولا يستحل هراقة الدماء، وله دين يمنعه من ضبط الملك؛ فبادر إليه بجندك وعدتك، وأطعمه في الفرس. فجمع تبع جنوده وسار حتى نزل الحيرة، وقرب من الفرات، فآذاه البق، فأمر الحارث بن عمرو أن يشق له نهر الحيرة فنزل عليه، ووجه ابن أخته شمرا ذا الجناح إلى قباذ فقاتله فهزمه شمر حتى لحق بالري، ثم أدركه بها فقتله. وملك بعده ابنه كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز. ولما ملك استقبل الأمر بجد وسياسة وحزم. وكان جيد الرأي، كثير النظر، صائب التدبير، طويل الفكر؛ فجدد سيرة أردشير وعمل بها، ونظر في عهده وأخذ نفسه به، وأدب رعيته وبطانته، وبحث عن سياسات الأمم فاستصلح لنفسه منها ما رضيه، ونظر في تدابير أسلافه المستحسنة فاقتدى بها. وكان أول ما بدا به أن أبطل ملة زرادشت الثاني الذي كان من أهل فسا، وأبطل ملة المزدكية وقتل على ذلك خلقاً كير، وسفك من الدماء بسبب إبطال هذين المذهبين مالا يحصى كثرة، وقتل قوماً من المانوية، وثبت ملة المجوسية القديمة، وكتب في ذلك كتباً بليغة إلى أصحاب الولايات والأصبهبذين، وقوى ملك الفرس بعد ضعفه بإدامة النظر وهجر الملاذ وترك اللهو، وقوى جنوده بالأسلحة والأمتعة والكراع، وعمر البلاد وحفظ الأموال وثمرها، وسد الثغور واستعاد كثيراً من الأطراف التي غلب عليها الأمم. قال: وأما تدبيره في أمر المزدكية وإبطال ما فعلوه فإنه ضرب أعناق رؤسائهم، وقسم أموالهم في أهل الحاجة، وقتل جماعة كثيرة ممن عرف من الذين كانوا يدخلون على الناس