بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الأمير، إن بي فتقاً، وقد رآه بشر بن مروان فعذرني، وهذا عطائي مردودٌ في بيت المال، فأمر به فضربت عنقه، فلم يبق بالبصرة أحدٌ من عسكر المهلب إلا لحق به. ثم سار الحجاج إلى رستقباذ، وبينها وبين المهلب ثمانية عشر فرسخا، وقال حين نزل بها: يأهل المصرين، هذا المكان والله مكانكم شهراً بعد شهر، وسنةً بعد سنةٍ، حتى يهلك الله عدوكم، هؤلاء الخوارج المطلين عليكم. ثم خطب يوماً فقال: إن الزيادة التي زادكم إياها ابن الزبير إنما هي زيادة ملحد فاسقٍ منافقٍ، ولسنا نجيزها - وكان مصعب قد زاد الناس في العطاء مائة مائة - فقال عبد الله بن الجارود: إنها ليست زيادة ابن الزبير، إنما هي زيادة أمير المؤمنين عبد الملك قد أنفذها وأجازها على يد أخيه بشر. فقال له الحجاج: ما أنت والكلام ! لتحسنن حمل رأسك أو لأسلبتك إياه. فقال: ولم ؟ إني لك لناصحٌ، وإن هذا لقول من ورائي. فنزل الحجاج ومكث أشهراً لا يذكر الزيادة، ثم أعاد القول فيها، فرد عليه ابن الجارود مثل رده الأول، فقام مصقلة بن كرب العبدي، فقال: إنه ليس للرعية أن ترد على راعيها، وقد سمعنا ما قال الأمير، فسمعاً وطاعةً فيما أحب وكرهنا. فسبه ابن الجارود وقام فأتاه وجوه الناس فصوبوا رأيه وقوله، وقال الهذيل بن عمران البرجمي وعبد الله بن حكيم بن زياد المجاشعي وغيرهما: نحن معك وأعوانك، إن هذا الرجل غير كافٍ حتى ينقصنا هذه الزيادة فهلم نبايعك على إخراجه من العراق، ثم نكتب إلى عبد الملك أن يولي علينا غيره، فإن أبى خلعناه، فإنه هائب لنا ما دامت الخوارج. فبايعه الناس سراً، وأعطوه المواثيق على الوفاء، وبلغ الحجاج ما هم فيه، فأحرز بيت المال. فلما تم لهم أمرهم أظهروه، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين، واجتمع الناس على ابن الجارود حتى لم يبق مع الحجاج إلا خاصته وأهل بيته، وأرسل الحجاج أعين صاحب حمام أعين إلى ابن الجارود يستدعيه، فقال: لا كرامة لابن أبي رغال، ولكن ليخرج عنا مذموماً مدحوراً، وإلا قاتلناه. قال أعين: فإنه يقول لك: أتطيب نفساً بقتلك وقتل بيتك وعشيرتك ! والذي نفسي بيده لئن لم تأت لأدعن قومك وأهلك خاصة حديثاً للغابرين. وكان الحجاج قد حمل أعين هذه الرسالة؛ فقال ابن الجارود: لولا أنك رسولٌ لقتلتك يا ابن الخبيثة، وأمر فوجيء في عنقه، وأخرج. وأقبل ابن الجارود بالناس زحفاً نحو الحجاج، وكان رأيهم أن يخرجوه عنهم ولا يقاتلوه. فلما صاروا إليه نهبوا ما في فسطاطه، وأخذوا ما قدروا عليه من متاعه ودوابه، وجاء أهل اليمن فأخذوا امرأته ابنة النعمان بن بشير، وجاءت مضر فأخذوا امرأته الأخرى أم سلمة بنت عبد الرحمن بن عمرو أخي سهيل بن عمرو. ثم إن القوم انصرفوا عن الحجاج وتركوه. فأتاه قومٌ من أهل البصرة فصاروا معه خوفاً من محاربة الخليفة، فجعل الغضبان ابن القبعثري الشيباني يقول لابن الجارود: تعش بالجدي قبل أن يتغدى بك. أما ترى من قد أتاه منكم ؟ ولئن أصبح ليكثرن ناصره، ولتضعفن منتكم. فقال: قد قرب المساء، ولكنا نعاجله بالغداة، وكان مع الحجاج عثمان بن قطن، وزياد بن عمرو العتكي، وكان زياد على شرطته بالبصرة، فقال لهما: ما تريان ؟ فقال زياد: أرى أن آخذ لك من القوم أماناً وتخرج حتى تلحق بأمير المؤمنين، فقد ارفض أكثر الناس عنك، ولا أرى لك أن تقاتل بمن معك. فقال عثمان بن قطن الحارثي: لكني لا أرى ذلك، إن أمير المؤمنين قد شركك في أمره، وخلطك بنفسه، واستنصحك وسلطك، فسرت إلى ابن الزبير وهو أعظم الناس خطراً فقتلته، فولاك الله شرف ذلك وسناءه، وولاك أمير المؤمنين العراقين، فحيث جريت إلى المدى وأصبت الغرض الأقصى تخرج على قعودٍ إلى الشام، والله لئن فعلت لا نلت من عبد الملك مثل الذي أنت فيه من السلطان أبداً،