نظام الحكم في الجمهورية الإسلامية في
إيران
ومبانيه القانونية(*)بقلمالدكتور حسين مهرپور
تمهيد
قبل الدخول في صلب الموضوع، لابد لنا منالتطرق إلى بضع نقاط من باب التمهيد:1 ـ ينبغي أن لا ننسى أن الإسلام يعنى بكل
الأمور التي تخص الإنسان بجانبيها:
المعنوي والمادي فهو لا يرى الحياة
الإنسانية مقصورة على هذه الدنيا، ولا يرى
حياته تنتهي بانتهاء الفترة يقضيها في
الدنيا، بل يرى أن وراء هذه الحياة التي
الدنيوية المادية حياة خالدة دائمة في
الآخرة. والقرآن الكريم يصرح بذلك في آيات
عديدة، من ذلك ما جاء في الآية (64) من سورة
العنكبوت: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو
ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحَيَوانُ لو
كانوا يعلمون}.
ففي الوقت الذي يبدي الإسلام عنايته
بحياة الإنسان المادية الدنيوية، ويتخذ
خطوات معينة لتنظيمها وإدارة شؤونها، ولا
يحث على اهمالها، يرى الأصل هي الحياة
الخالدة الدائمة في العالم الآخر، ويحذر
الإنسان من نسيان كون حياته في هذه الدنيا
إنما هي حياة عابرة وموقتة، وان هناك حياة
خالدة تنتظره ولابد أن يتذكرها دائماً وان
يهيئ نفسه ويعد عدته للانتقال إليها:
{وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا
تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله
إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا
يحب المفسدين}.(القصص: 77)2 ـ ان هدف الإسلام هو سعادة الإنسان،
ولذلك شرع للوصول إلى ذلك الشرائع
والقوانين، ولكنه لم ير سعادة الإنسان
مقصورة على المصالح المادية الدنيوية
التي ينعم بها في دار الدنيا فحسب، بل انه
يرى سعادة الإنسان الحقيقية في توجهه
العقلي وفي السير على طريق الاعتدال في
تحقيق رغباته النفسية، وكذلك في رغباته
المادية بحيث أنها لا تنسيه معرفة الله
والعبودية له، بل تحمله على اكتساب
المعارف الإلهية والأخلاق الحميدة
الكريمة، والابتعاد عن الرذائل. يرى
الإسلام أن في الإنسان تكمن جوانب عقلية،
وانه بحسب فطرته الأولى النقية يتوجه إلى
الله وإلى الفضائل المعنوية التي توصله
إلى السعادة الأبدية:{...فطرة الله التي فطر الناس عليها لا
تبديل لخلق الله...}.(الروم: 30)
غير أن الإنسان قد يقع أسير أهواء نفسه
وينهمك في تحقيق رغباته الدنيوية
المادية، فيخرج عن طريق الاعتدال، وينسى
الجوانب المعنوية، ويتراكم الغبار على
الفطرة الربانية، وينحرف عن مسير الحق
والعدل الكامل في ضميره النائم.
ههنا ينبري أناس صالحون استطاعوا الحفاظ
على جوانبهم العقلانية، ولم تستغرقهم
أهواء النفس، بل احتفظوا بارتباطهم بالله
ـ بالتعبير الديني ـ فينهضون لإرشاد الناس
وهدايتهم ويدعونهم إلى مكارم الأخلاق
والفضائل والمعارف الإلهية والتوجيه نحو
العالم الأخروي الخالد: أي أنهم يعملون
على إزالة الصدأ عن خزانة عقولهم والغبار
عن فطرتهم الطاهرة، ويوقفونهم على
حقيقتهم الإنسانية، بحيث أن الناس، بما
يتهيأ لهم من الوعي والمعرفة والتوجه،
يتبعون أولئك المصلحين ويتقبلون منه
الدين الجديد الذي يعرضونه عليهم لكي
يصلوا إلى السعادة الحقيقية الخالدة.
يقول الإمام علي (ع):"...فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه،
ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي
نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا
لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة...".
وهكذا، وعلى اثر قيام الصلحاء، حاملي
الرسالات الإلهية، بارشادهم وهدايتهم،
يثوب الإنسان إلى رشده، ويتقبل بكامل
حريته ودون اكراه النظام الذي يدعو
الأنبياء إليه، ويقيم قواعد إدارة حياته
الشخصية والاجتماعية على أساسه:
{لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من
الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد
استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها
والله سميع عليم}.(البقرة: 256)3 ـ يرى الإسلام أن القواعد والأحكام
الأصيلة التي تضمن للإنسان سعادته في هذه
الدار الدنيا وفي الدار الآخرى قد عرضها
الله عليه بواسطة أنبيائه. وعندما يعي عدد
مناسب من الناس هذا الدين يتقبلون تعاليمه
بإيمان قلبي عميق، يستطيعون أن يجعلوا من
ذلك النظام حكومة تحكم مجتمعهم. ان هذه
القواعد والأحكام قد شرعت لكي تدير شؤون
المجتمع، ويكون الناس مسؤولين، بشكل من
الأشكال، عن إجراء أحكامه. يقول رسول
الإسلام الأكرم (ص).
(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
وعليه، فان الحكومة التي تعنى بإعطاء