آية الله محمد هادي معرفة قال تعالى:{أفمن يهدي إلى الحق أحقّ أن يتبع أم من لا يُهدي إلاّ أن يهدى فمالكم كيف تحكمون}. (يونس:35). وقال أمير المؤمنين (ع):"أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه". (نهج البلاغة، الخطبة 171). المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين. وبعد... فإن مسألة "ولاية الفقيه" والتعريف بأبعادها وحدودها، أصبحت من أهم المسائل التي تدور عليها رحى العصر؛ إنها مسألة مصيرية للأمة المنتفضة بعد طول العهد، وإنها خطة قيادية وضعها الإسلام منذ أن بزغت مطالعه في ربوع الجزيرة، وإنها النقطة المركزية "حبل الله المتين" التي يجب الالتفاف حولها والتمسك بعروتها الوثيقة، إنها جامعة كلمة المسلمين ولامّة شعثهم، والوسيلة الكبرى لإعادة شاردتهم وإقامة أودهم والاتجاه بهم نحو السعادة في الحياة. هذا ولاسيما بعد تلك الانتفاضة الكبرى التي قامت بها أمتنا المجيدة في المنطقة، تحت قيادة إمامها الكبير الخميني العظيم (دام ظله) الذي برهن للملأ كفاءته وجدارته في قيادة أمة بكاملها. وقد أعاد إلى الإسلام رواءه الأصيل، ومجده وكرامته التي كانت على عهده الأول صافية ضافية. وهي مسألة خطيرة بحث عنها الفقهاء في مختلف المجالات، وأخذوا فيها بالرد والنقاش الحر، لخصناها في فصول الرسالة الحاضرة، ولعلها خدمة متواضعة يتلقاها الزملاء الأعزاء، بحسن النظر وغض البصر، إذ من كتب فقد استهدف، ومن ثم فمن الله المستعان وهو الموفق للصواب. قم ـ محمد هادي معرفة ربيع الأغر 1402 وظائف الفقيه ومراتب ولايته ذكروا للفقيه الجامع للشرائط وظائف ثلاث
1ـ الإفتاء:
وهو بيان الحكم الشرعي المرتبط بوظيفة المكلفين، وفق استنباطه من أدلته المعهودة.
2ـ القضاء:
وهو الحكم لفصل الخصومات وحل الاختلافات وما شاكلها من مصالح عامة.
3ـ الولاية:
وهي تولية شؤون الأمة في جميع جهاتها الإدارية والاجتماعية والسياسية، الداخلية والخارجية، التي يجمعها قولهم:"إدارة البلاد وسياسة العباد". أما مسألة الإفتاء، فمتفق عليها بين الفقهاء، سوى لفيف من أهل الظاهر، لشبهات عرضت لهم، وكان منشؤها قلة الإمعان والتدبر في نصوص الكتاب والسنة، وكانت مناقشاتهم في الأغلب تعود لفظية. وأما القضاء فمتفق عليه أيضاً، سوى أن المخالف أنكر ثبوته بعنوان المنصب، فلم يجوّز له التصرف في أموال القصر وتولية الأوقاف بسمة ولايته على ذلك، بل بسبب كونه القدر المتيقن ممن يجب عليه القيام بأمرها. ومن ثم فإن القيّم الذي نصبه والمتولي الذي عيّنه ينعزل بموت الفقيه، لأنها كانت وكالة ـ والوكيل ينعزل بموت الموكل ـ الأمر الذي لم يكن ينعزل لو كانت من باب الولاية. وأما مسألة الولاية، فهي التي أصبحت مورد بحثنا في هذه الرسالة، وكانت هي مورد اتفاق الفقهاء فيما سلف حتى عصر صاحب الجواهر حيث بدت بعده وساوس المتشككين، وراق لبعضهم إنكارها رأساً، إنكار أمر كان قد أحكمه أساطين المذهب، حسب تعبيره (قدس سره) (2). وقد فرض المحقق النائيني (قدس سره) من الولاية ثلاث مراتب:أولاها ـ وهي المرتبة العليا ـ مختصة بالنبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وهي الولاية على الأموال والأنفس، التي جاءت الإشارة إليها في الآية الكريمة:{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (3). وهذه المرتبة من الولاية غير قابلة للتفويض والانتقال إلى غير المعصوم. وثانيتها:ولاية إدارة نظم البلاد وانتظام شؤون العباد، الخاصة بولاة الأمر، وهي قابلة للتفويض إلى من له أهلية ذلك، إلاّ أنه ـ بحسب رأيه ـ لم يثبت تفويضها إلى الفقيه في عصر الغيبة. وثالثتها:ولاية ما يرجع إلى شؤون القضاء، فقال بثبوتها للفقيه في عصر الغيبة. وهذه قد أنكرها سيدنا الأستاذ الخوئي (دام ظله) أيضاً، فلم يقل بثبوت ولاية للفقيه إطلاقاً. وسوف نتعرض لهذه الآراء تفصيلاً ونستوضح أدلتها نفياً وإثباتاً بما يكشف لنا الطريق إلى اختيار الأرجح. ولكن قبل الخوض في صلب البحث، ينبغي تمهيد مقدمات ربما تسهل علينا الوقوف على حقيقة