بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الدكتور سليمان الأزرعي لعنة المدينة دراسات في القصة الأردنية مقدمــة في مناخات حروب أوروبا الثنائية الطاحنة، وصولاً إلى الحرب الكونية الأولى. تفشى اليأس والإحباط لدى مبدعي تلك الأمم، الذين شهدوا بأم أعينهم ماكينة الرأسمالية المسعورة.. ماكينة التقدم العلمي والتقني، وهي تتجه صوب البشر. وتعلك لحوم الشعوب والأمم، وتطأ بأحذيتها الملطخة بالوحل وغبار البارود والدمار أحلامهم الإنسانية الطرية، وتحول دون تحقيق كل ما هو جميل وطيب. وحتى حلم العيش بسلام. لقد شهد هؤلاء المبدعون النتائج الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية للحرب.. شهدوا التشرد والفقر والمرض والدمار وضياع الشعوب وقهر الأمم المغلوبة، واستباحة الأوطان وحرق خضرة الأرض وحجب غيوم السماء والشمس والقمر بسحابة كثيفة من رماد العلم الأسود. وفي غياب المنظومة الأخلاقية الرادعة لهذا الهوس الأوروبي الدامي، نكص مبدعو أوروبا الرومانسيون عن المشاركة في الحياة العامة للمدينة (مركز الشر) لنظرهم، ومطبخ الحروب، ومصنع الدمار.. فراحوا يلعنونها ويبحثون عن البديل.. عن محطات للراحة والاستشفاء والتوازن السيكولوجي من أثر ذلك المشهد الدموي المرعب، الذي يعكس قدرة الإنسان اللامتناهية على ممارسة الحقد والجريمة، واستمراء البشاعة على أنها "وطنية" أو "قومية".. هكذا وجد المبدعون "الرومانسيون" في العودة إلى الأرض والارتماء في أحضان القرية الطاهرة، والطبيعة الحانية، ونموذج الريف الوادع ملاذاً لهم، هرباً من ذلك المشهد البشع للمدينة؟!. مركز التهديد الصارخ لإنسانية الإنسان المبدع الرافض للمشاركة في الحروب، وللمنطق الاستغلالي البشع للنظام الرأسمالي الاستعماري في مرحلة الكولونيالية. إن من يفقد الثقة بالذات المجتمعية، تتداعى بنظره الكثير من المنظومات القانونية للمجتمع، وتصبح عبثاً لا لزوم لها، فيحتفي بالذاتي، ويهاجم الموضوعي، وينقضّ على اللغة وقواعدها كمنظومة مقيدة، بدواعي التثوير وكسر النمطية.. ويحتفي بالطبيعي، ويحتقر كل ما هو صناعي.. ويرفض العقلانية لصالح الإحساس العفوي.. وتلك مصائد مغفلين لا يجوز الاقتراب منها إلا للخبراء.. لقد عبر الشاعر الانجليزي "ويليام وردز ورث" عن جوهر الرومانسية الأوروبية في أوضح إيقاعاتها بقوله: "نبضة واحدة من غابة ربيعية، كفيلة بأن تعلمنا عن الإنسان، وعن الشر الأخلاقي وعن الخير، أضعاف ما يستطيع أن يعلمنا كل الحكماء". (الترجمة للدكتور حسام الخطيب) إن حصار "المدينة"- الموطن الراهن- للإنسان العربي المعاصر، والأزمات الروحية العامة التي يعيشها في عالم مهووس.. عالم الغالبين والمغلوبين والمقهورين والمطعونين بكبريائهم الإنساني، يدفع بالمبدع مجدداً نحو ردة رومانسية. ولكنها يمكن أن تكون أكثر غنى، ويمكن أن تكون أكثر تدميراً.. إنها ردة رومانسية غير رومانسية جبران وشعراء المهجر بعامة، وشعراء مصر والشام. لأنها تتكئ هذه المرة على مرجعية الطفولة، ومن مواقع الوعي الاجتماعي، وفهم لعبة سيكولوجية التكيف، وصياغة التعادلية الواهمة بين الراهن والمفترض بحسب الفهم الفرويدي. وتتجلى كثيراً في القصة والرواية. حيث محطات الحلم والراحة التي يعود إلينا الكاتب بعدها بالنتائج الحارة، حرارة ذلك اللقاء بين المبدع المتعب ومحطة راحته المحبوبة، والطفولة مساحة الذات الفردية الأوسع.. هذا الكتاب، يرصد تردّد تلك الظاهرة في العديد من الأعمال القصصية الأردنية. ويحاول توصيفها كهاجس يقف وراء العديد من الأعمال الإبداعية. لعـــــنة المديـــــنة (أعمال هاشم غرايبه نموذجاً) لقد شهد المجتمع الأردني- كبنية اجتماعية- انتقالة نوعية سريعة وخاطفة، لم تأت في سياق تطور خصوصي طبيعي داخلي لتلك البنية الاجتماعية الاقتصادية، وإنما جاءت بسبب هيمنة (الحقبة النفطية) التي أمنت للمجتمع الأردني والفرد والأسرة الأردنية مداخيل معقولة نسبياً خلال زمن قياسي غيرت إيقاع حياتهم وبشكل مباغت، ومكنت أبناء هذا المجتمع من توفير الكثير من متطلبات الحياة مما هو مطروح في السوق الرأسمالي، دون أن يكون هذا المجتمع قد أنتج- وبأثر تطوره الداخلي- أياً من مبتكرات هذا العصر! وهذا ما قصدناه بالتطور غير الطبيعي. بمعنى، أن عناصر ذلك التطور في إيقاع حياة