بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ومرجعية الطفولة. ولكي لا يكون هذا الحكم تعسفياً، فسنحاول أن نتتبع النتائج الفنية لهذا الموقف العام الذي اتسمت به المجموعة. فمن العنوان "قلب المدينة" يبدأ المؤشر الأول في هذا السياق، وعودة إلى القصة التي حملت عنوان المجموعة نرى "قلب المدينة" من عيني سجين يُنقل من سجنه إلى المدينة للعلاج "من خلال باب الناقلة، انظر للعالم الأرحب، عالم الحرية... وبدأت تتوارد الذكريات والأطياف... السيارات... الناس... الأصدقاء... البيت... الجامعة" ص46، ولكن أية مدينة وأية حرية؟! إنها المدينة التي عبرت عن صورتها القاتلة المتحدية القاسية في قصة "علاقة" و"حلم" والسمجة في "أمسية خاصة" وغيرها من القصص. وقبل أن نغادر هذا الموقع لنراقب معاً قصة "قلب المدينة" وقصة "زيارة" التي تبعتها "قلب المدينة" مباشرة. فكلتاهما قصتا سجن. وبطلاهما سجينان اتصل كل منهما بعالمه الخارجي خارج سجنه. في "الزيارة" كان البطل يقف وجهاً لوجه مع الريف... القرية وشخوصها الأب والأم والأطفال ومخاتير القرية ووجهاء العشيرة والفلاحين وحاصدي الحقول وبناة "سناسل" الحواكير... كل هؤلاء كان لهم حضورهم الفيزيائي أو في الذاكرة، أما في الثانية، فبرغم لقاء البطل مع عالمه الخارجي "عالم الحرية"- كما سماها البطل- وأطياف الأصدقاء والذكريات والناس والسيارات.. إلا أن البطل يعترف "كرهت مغادرة الناقلة على ما بها من عنت". ورغم أن القصتين حققتا نجاحاً فنياً متميزاً، سرُّه في تلك التلقائية السردية- وهو واحد من المرتكزات الفنية الأساسية التي تبدت لي في هذه المجموعة- إلا أن "الزيارة" هيأت للكاتب ولبطله مناخات نفسية أكثر ملاءمة للبوح الداخلي، لدى التقائه مع العالم الخارجي (عالم القرية) ذلك البوح الذي ترجم التقاء الكاتب تماماً مع موضوعه. ومن خلال بطله، رغم أنه لم يقدم لنا في "الزيارة" قصة بمعنى الكلملة، بحسب المقاييس الكلاسيكية المعروفة، فليس ثمة حبكة واضحة، والصراع خفي مغلف بوجع إنساني جميل غير مصرح به، والشخوص متفقة وتسير معاً في اتجاه واحد دون صراع فيما بينها، والخصومة مع الزمن. أما في "قلب المدينة" فينعكس موقف الكاتب من عالم بطله حتى على البناء الفني للقصة في المقدمة والخاتمة تماماً وبوضوح: "لأسباب لا مجال للحديث عنها كنت في السجن... يأتيني كثيرون يعرضون عليّ محاولات قصصية، أو يروون لي كيف دخلوا السجن ويريدون أن أعبر عن ذلك في قصة أو رواية، الخ... ص 39... ثم يشرع الراوي بسرد قصة رفيقه في حوار حر، وكأنك أمام كاتب ومخرج يتناقشان في إخراج مادة درامية... البطل يروي وقائع رحلة العلاج من السجن إلى المدينة في حافلة.. سجناء مرضى مع سجينة برفقة الشرطة النسائية: "ضحكت، فصمت عماد. قلت: وبعد؟ قال: هذا ما حدث، قلت: والنهاية؟ قال: هذه مسؤوليتك" ص48. وهنا تنتهي القصة. وأجزم أن الكاتب قد عبر في هذه النهاية عن موقفين: موقف واع وآخر لا واع. أما الموقف الأول والواعي الذي أراد الكاتب تأكيده، وهو أن في الحياة قصصاً غير مكتوبة. ولا يلزم سوى تحريرها على الورق. وهي منظمة بطبيعتها، وأي تدخل من قبل المبدع في عناصرها من باب التأليف والإبداع إنما يشكل عبثاً يلحق بالقصة الأذى. وكان بإمكان الكاتب في ضوء هذا الفهم أن يظهر القصة بالإشارة: قصة السجين السياسي عماد ملحم، تحرير: هاشم غرايبه، هذا الموقف الأول والواعي. أما الموقف اللاواعي في تفسير إقفال القصة في مثل تلك النهاية، فيعيدنا مجدداً إلى العنوان "قلب المدينة" وإلى ما أشرنا إليه في بداية هذه الدراسة وهو موقف هاشم غرايبة من المدينة، ووقوف القرية كنقيض مضاد، وربما تنطوي هذه النهاية، وذلك الموقف الأهبل الجميل، على خبث فني من مواقع التصميم الفني المبيّت!. وكأني بالراوي الذي يمثل شخصية كاتب سجين يريد أن يقول لزميله: حكايتك يا صاحبي ليست قصة. وهنا بالتحديد يبدو إبداع الكاتب ويظهر هاشم غرايبة وهو يقف وراء هذا الأداء الفني كمبدع، أثر الفصل بين الكاتب والراوي، والبطل والمباعدة ما بين كل منهم. ولعلنا نعود إلى تتبع النتائج الفنية الأخرى في مرحلة لاحقة من هذه الدراسة، ولكن ليس قبل أن ننتهي مما بدأنا به. فقد تردد موقف الكاتب من المدينة صراحة على ألسنة أبطاله في أكثر من موقع، وعبّر عن هجائه للمدينة، وردَّته الواعية إلى الريف في أماكن عدة في المجموعة، لنتوقف عند هذين المقطعين من قصة "جدي": 1-"كان موجوداً في تركته التي تمردت على القوانين والأنظمة التي سنتها المدينة، ص 27 قصة "جدي". والمقطع هجاء مجاني للمدينة