( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن
الأرض يرثها عبادي الصالحون )
القرآن الكريم - سورة الأنبياء- آيه 105
هذا ما ألقاه سماحة الحجة العلامة الشيخ
مهدي الآصفي
في مؤتمر الإمام المهدي "عج" والمحاضرة لم
تتم كما نوه هو بذلك " حفظه الله " .
بين يدينا ثلاث قضايا ، يتلو بعضها بعضا .
القضية الاولى :
الانقلاب الكوني الشامل الذي يشير إليهالقرآن في أكثر من موقع :
يقول تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم
وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض
كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنّن لهم
دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنهم من بعد
خوفهم أمنا ) .
ويقول تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين
استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم
الوارثين ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون
وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) .
القصص 5 - 6 .
ويقول تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من
بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )
.
ويتم هذا الانقلاب عندما يتحكم
المستكبرون في حياة الناس ويستضعفون عباد
الله ويسلبون الناس قيمهم وعقولهم
وضمائرهم ويشيعون الفساد في حياتهم ، وتصل
البشرية إلى طريق مسدود ، عندئذ تتدخل
الإرادة الإلهية ، وتحوّل القوة والسلطان
من أيدي الظالمين المستكبرين إلى أيدي
الصالحين المستضعفين .
وقد تكرر هذا الانقلاب الكوني في التاريخ
، ومن ذلك ما حدث في تاريخ بني إسرائيل
عندما استكبر فرعون وأفسد في الأرض .
يقول تعالى : ( إن فرعون علا في الأرض وجعل
أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح
أبنائهم ويستحيي نساءهم انه كان من
المفسدين ).
وهذه هي الحتمية الاولى ، وهي انقلاب
القوة من المستكبرين الظالمين إلى
المستضعفين الصالحين ، وهو انقلاب شامل في
القيم والمواقع والقوة والسيادة ، وهي سنة
من سنن الله الحتمية .
القضية الثانية :
إن الذي يقود هذا الانقلاب الكوني الشامل، هو المهدي من ذرية رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلّم ، وقدر وردت في ذلك روايات
صحيحة بلغت حدّ التواتر .
وهذه هي القضية الثانية التي يقرّرها
الحديث النبوي ، ويتفق عليها المسلمون
.كما كانت القضية الاولى حكم القرآن
الشريف وليس في هذا شك ولا ذاك .
وقد بلغت أحاديث المهدي عجل الله فرجه
الشريف حدّاً لا مكان للتشكيك فيه ، ولسنا
نريد أن ندخل هذا البحث ولا البحث السابق
عليه .
القضية الثالثة :
أن المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريفالذي اخبر عنه رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلّم هو محمد بن الحسن العسكري بن
علي الهادي عليهم السلام ، ولد سنة 255 هـ .
بسامراء ، ثم غيّبه الله تعالى ، وهو الذي
يرسله الله حيث يشاء لإنقاذ الناس من
الظلم ، وإزالة الشرك من على وجه الأرض ،
وتقرير التوحيد وعبودية الإنسان لله ،
وتحكيم شريعة الله وحدوده في حياة الناس .
وهو الذي يقود هذا الانقلاب الكوني الشامل
الواسع ، في انتقال القوة من الطبقة
المترفة المستكبرة الفاسدة إلى الطبقة
الصالحة المستضعفة ( ونريد أن نمن على
الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة
ونجعلهم الوارثين ).
وقد تواترت الرواية عن أهل البيت عليهم
السلام بان المهدي المنتظر عجل الله فرجه
الشريف الذي بشّر به رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلّم هو ابن الحسن العسكري ،
والثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام .
وحديثنا اليوم يتركز حول هذه النقطة
بالذات .
ومخاطبنا في هذا البحث أولئك الذين
يؤمنون بحجية حديث أهل البيت عليهم السلام
، ويبحثون عن أدلة كافية وواضحة وصريحة في
الإثبات العلمي لما يدعيه الإمامية من
تعيين وتشخيص المهدي المنتظر عجل الله
فرجه الشريف .
فان الاختلاف بين الشيعة الأمامية وبين
سائر الفرق الإسلامية ليس في أصل قضية (
المهدوية ) . فان المسلمين مجمعون - إلاّ من
شذّ منهم - في الإيمان بأن الله تعالى قد
إدّخر المهدي عجل الله فرجه الشريف من أهل
بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
لإنقاذ البشرية وللانقلاب الكوني الكبير
في حياة الناس … ليس في ذلك شك
والروايات النبوية في ذلك صحيحة ومتواترة
، وإنما الخلاف بين الشيعة الأمامية
وغيرهم من المسلمين في التشخيص والتعيين
فقط .
فان الشيعة الأمامية يذهبون قولا واحدا