تخل منهم الأرض ولم يخل منهم زمان ، كما
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم .2 _ ولم يحص عليهم أحد تناقضاً ومخالفة في
القول والعمل ، ولم ينتقصهم أحد ممّن يعبأ
بقوله ولم يتجرأ أحد على النيل منهم من
علماء المسلمين … وهؤلاء الأبرار لم
يكونوا في زوايا الإهمال والنسيان ، وإنما
كانوا يعيشون في حواضر المسلمين وفي
أوساطهم ، وقد تلقى عنهم كبار فقهاء
المسلمين العلم والفقه .3 _ ولا نعرف في تاريخ المسلمين من يدعي
لنفسه هذا الادعاءات من العصمة والحجية
وإمامة الدين والدنيا وأنّه لا يخلو منهم
زمان ولا تخلو الأرض من حجة منهم ، وانه من
الأئمة الاثنا عشر الذين بشّر وأخبر عنهم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم …
لا نعرف أحد يقول هذه المقالة غيرهم .
هذه النقاط الثلاثة إذا ضممناها إلى
الطوائف الأربعة من الروايات المتقدمة
أنتجت بالضرورة الإثبات اليقيني العلمي
لمذهب أهل البيت عليهم السلام .
ونقرّب ذلك بمثال قضائي يعرفه القضاة :
لو أنّ أحداً عثر على مال في دار معين لا
يدخله غير نفر معدود ، ولا يدخلهم غيرهم ،
فادعاه أحدهم ، لا يعرف الناس له تناقضاً
أو كذباً أو خيانة في القول والعمل ، ولم
يدّعه غيره ممن يتردد على هذه الدار من هذا
النفر المعدود ، فبالضرورة يحكم القاضي
بعائدية المال إلى المدّعي مع عدم وجود
إدّعاء معارض ، ومع انتفاء امارات الكذب
عن المدّعي ، وليس يحتاج إلى بيّنة أو يمين
أو وسيلة أخرى من وسائل الإثبات القضائي
بالضرورة .
وواقع أهل البيت عليهم السلام في التاريخ
الإسلامي بالقياس إلى الأخبار الصحيحة
التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلّم ، يشبه إلى حدّ ما هذا المثال
القضائي .
ولذلك قلنا ان انطباق هذه الروايات على
الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت عليهم
السلام ومنهم الإمام الثاني عشر الغائب
المنتظر ، إنطباق قطعي وضروري ولا يحتاج
إلى جهد علمي بقدر ما يحتاج إلى رؤية صافية
غير مثقلة بالشكوك والأهواء والعصبيات
أعاذنا الله منها .
الطائفة الثانية:
الروايات التي تخصُّ الإمام المهدي عجلالله فرجه الشريف وهي في الغالب واردة عن
أهل البيت عليهم السلام .وقد علمنا أن
مخاطبنا في هذا البحث هم الذين يعتقدون
بحجية حديث أهل البيت عليهم السلام ،
ويعتقدون أن حديث أهل البيت هو إمتداد
ورواية لحديث رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلّم .
وسوف نستعرض إن شاء الله خلال هذه النقطة
من البحث طائفة من الروايات الصحيحة
الواردة عن طريق أهل البيت عليهم السلام ،
في تشخيص وتعيين الإمام عجل الله فرجه
الشريف وولادته وغيبته وظهوره .
تواتر الروايات:
وأول ما نستند إليه في هذه الروايات ، هو
تواتر الروايات الواردة عن أهل البيت
عليهم السلام ، في أن المهدي عجل الله فرجه
الشريف هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت
عليهم السلام والتاسع من ذرية الحسين عليه
السلام ، وابن الحسن العسكري بن علي الهادي
عليهما السلام ، المولود بسامراء سنة 255 هـ.
.
وقد روينا هذه الروايات من كتب القدماء من
أصحابنا مثل الكافي لمحمد بن يعقوب
الكليني المتوفي 329 هـ. ، وغيبة النعماني
لتلميذ الكليني ، وكامل الزيارات لجعفر بن
محمد بن قولويه المتوفي سنة 368 هـ.، وكمال
الدين وتمام النعمة ، وكتاب الأمالي ،
وكتاب عيون أخبار الرضا ، وعلل الشرائع
لأبي جعفر محمد بن علي الصدوق ابن بابويه
القمّي المتوفي سنة 381 هـ. ، وكفاية الأثر
في النصوص على الأئمة الاثنى عشر للخزازي
الرازي القمي من تلاميذ الصدوق ، وكتاب
الارشاد لأبي عبد الله محمد بن النعمان
المفيد المتوفي 413 هـ. ،وكتاب الغيبة لأبي
جعفر محمد بن الحسن الطوسي 460 هـ. ، ودلائل
الإمامة للطبري المعاصر للشيخ الطوسي ،
وغيرهم من قدماء أصحابنا المعروفين
بالدقة في الرواية والنقل .
وهذه الروايات تبلغ بالتأكيد حدّ التواتر
في كتب أصحابنا القدماء في جميع طبقات
إسنادها ، وفي مختلف ادوار المعصومين
عليهم السلام . وقد جمع طرفاً من هذه الروايات السيد صدر
الدين الصدر في كتابه المهدي ، والتجليل
التبريزي في كتابه ، والصافي الگلبايگاني
في منتخب الأثر ، والشيخ علي الكوراني في
معجم أحاديث المهدي .
والذي يراجع هذه الأحاديث بأسنادها لا
يشك في تواتر هذه الأحاديث في مختلف طبقات
إسنادها ممن أسميناهم من المحدّثين
القدماء إلى المعصومين عليهم السلام .