کلمه الرسول الاعظم (صلی الله وعلیه وآله) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کلمه الرسول الاعظم (صلی الله وعلیه وآله) - نسخه متنی

حسن الشیرازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ولا زال - لغة تملّق واستجداء؟ أوَ ليست
المواهب الإنسانية النبيلة، قد تكرّست
فيه أكثر ممّا تفرّق في العباقرة
والمفكّرين؟
ومن ثمّ أصبح أدب النبيّ (صلى الله عليه
وآله) فوق مستوى بقيّة الآداب، بمقدار ما
هو فوق مستوى بقيّة الأدباء.
وأوّل ما يصدمك في أدب الرسول (صلى الله
عليه وآله) هو العقل الجبّار، الذي يترك
أفكاره تتوالد وتتسلسل، كالنهر الذي يجري
ويجري دون أن يكون لجريه حساب أو انقطاع،
ويعمّقها حتى لا تظلّ عليه أغوار، ثم
يضبطها بحدود دقيقة لا تسمح لعواطفه
الحارّة، وأحزانه البعيدة أن تطغى عليه،
أو تطيش بكلمة عن غرب لسانه أو شقّ يراعه
بلا استئذان، حتى ليدهش الباحث من تلك
الدقّة المنطقيّة، لو علم أن النبيّ (صلى
الله عليه وآله) لم يكن يفكّر في إعداد
كلماته، ولو قبيل ارتجالها بلحظات،
وإنّما كانت تنفجر من نفسه الجيّاشة - لحظة
الارتجال - بلا إعداد.
ثمّ الخيال الواسع الخفّاق، الذي قد يكون
أهمّ شروط البلاغة - وهو الحسّ الذي يربط
جميع الموجودات، بشبكة واحدة شاملة من
الأسباب والمسبّبات، حتى لا يكون شيء في
الوجود، إلاّ مسبّباً عن شيء وسبباً لشيء.
وهذا الذوق، هو الفارق الوحيد بين الفن
والعلم، حيث إن دليل العلم هو العقل، الذي
يجزّئ الأشياء ثمّ يدرس كلاًّ من أجزائها
بانفراد، بينما يكون الإلهام دليل الفن،
الذي يجمع المتباينات في إطار من التناسق
الجمالي، ليجمع من تفاعلها صورة مطبوعة
تضفي على الكون رواءً جديداً، وما كان
الأدب فنّاً إلاّ بهذا الشمول. فالأديب
أسبق من الفيلسوف في التطلّع إلى خفايا
الأشياء، وهو بهذا الذوق يبقى دليل
الفيلسوف إلى الرابط الكوني العام.
والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أقوى
من عرف هذا الرابط بدقّة الفيلسوف، وعبّر
عنه بأسلوب الأديب، فأكّد على أن جميع
الكائنات متوالدة عن بعضها إرادة فاعلة في
الكون، وممتدّة ممّا وراء الكون، فإذا
الكون كلّه وحدة مترابطة فيما بينها،
ومرتبطة بما وراءها، برابط وثيق يكون
إنكاره أعظم جريمة في الحياة، وهو الكفر،
الذي يعاقب عليه الإنسان بالإعدام. فكان
النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أستاذ
الفيلسوف منذ كان، ودليل الأديب إلى
الأبد، لأنّه عرف ما يعرفه الفيلسوف
والأديب معاً، وعرف ما لم يعرفاه، وهو
الرابط العام بين مظاهر الطبيعة وما وراء
الطبيعة، وبين الدنيا والدين، فلم يعرّف
ما وراء الطبيعة إلاّ بما يهيمن على
الطبيعة، ولم يفسّر الدين إلاّ بما يصلح
الدنيا، وعبّر عن هذا التكامل الشامل
بأقوال موجزة معجزة:
(من خاف الله، أخاف الله منه كلّ شي، ومن
لم يخف الله، أخافه الله من كلّ شيء).
(من أحبّ أن يكون أعزّ الناس فليتّق الله،
ومن أحبّ أن يكون أقوى الناس، فليتوكّل
على الله).
وينفرد أدب النبيّ (صلى الله عليه وآله) -
عن كلّ ما انحدر إلينا عبر الأجيال، من
نتاج الفكر والذوق - بميزة تجعل له مصافّاً
مستقلاً، فوق كل المستويات الأدبيّة - لو
استثنينا القرآن وحده - وهي السلاسة
العفوية البالغة، في رصف المعاني
والألفاظ معاً، بحيث تجري رخاء على مهل،
كما يجري الرقراق الفرات في السواقي
المستلقية على بساط الرمل، أو كما تجري
العطور في رفيف الأنسام. وتستوي أجواؤه -
رغم تناوله مختلف المواضيع - كما تستوي
صفحات البحار، في الآصال الغيد. حتى إنّك
تنساب معه إلى أبعد الآماد وفي شتى
المجالات - بلا وعي أو رأي منك - كما ينساب
الدم في عروقك إلى أبعد أعضائك، دون أن
تشعر بشيء فتوافق أو لا توافق. فيحملك على
جناحه العريض، ويجوس بك أينما شاء من
المضانك الشائكة، والمزالق الوعرة، دون
أن يصيبك عنت المسرى ورهق الانطلاق، ومن
غير أن يتعثّر خيالك أو ذوقك بلفظة أو معنى
متحجّر، كما تجوب بك أطياف الأسحار في
المهاوي والمهالك، دون أن تصدم عصبك أو
ذوقك. ويتسرب إلى أعماقك بلا إشعار حتى
تمتلك عليك خواطرك ومشاعرك بلا استئذان،
كما تتسرّب الروح في الجسد، فتوقظه من
رقدة الموت، دون أن يشعر الجسد بدبيبه
الحالم.
ورغم أنّه أدب صدر في زمن سحيق متصل
بالجاهليّة، أدب حديث كأحدث ما يكون الأدب
طراوة وفتنة رؤىً.
وإن من العجيب أن ينتج أدب قبل أربعة عشر
قرناً، ثمّ لا يحمل شيئاً من آثار القدم،
ولا يهرمه الدهر حتى كأنّه نتاج ساعته.
وكأن زوابع العصور لم تزده إلا فتنة
وروعة، كالدّر الذي كلّما تكرّر عليه
الجديدان، ازداد جدّة ورواء. فهو الطارف
التليد، الذي يجمع الذوق القديم والجديد،
في إطار لولاه لكنّا نشكّ في وجود مثل هذا
الإطار، فهو أقدم مدرسة وأحدث مدرسة.

/ 125