محمد راتب الحلاق - مقاربات نقدية في الأدب والإبداع - مـــدخل :لست ناقداً، ولا ينبغي لي فإن وجدني القارئ بعد ذلك متورطاً في (ما يشبه النقد)، فإنما هو تورط يحلو للمرء أن يقترفه بين الفينة والفينة. وما سيجده القارئ بين دفتي هذا الكتاب (كما يقولون) عبارة عن مقاربات لمفاهيم نقدية (أدبية وفنية إبداعية) أزعم بأن من حق كل قارئ، بل من واجبه، أن يلم بها، ليزداد تمكناً من كفاية تلقي النصوص الأدبية بحيث يستطيع وضع اليد (ما أمكن) على اللامكتوب وعلى المكبوت واللامفصح عنه بعد أن حاول النص بمكر الصنعة ومراوغة التقنية الفنية أن يحجبه، وأن يتباطأ في إعطائه ليحرم القارئ الكسول وغير المؤهل (غير المستحق) من تحصيل اللذة والمتعة والنشوة التي تنجم عن الهيمنة (النسبية) على النص وعن التمكن من اختراق سور الصنعة ومكرها والدخول، من ثم، في حوار ندي مع منتج النص (ضمن فضاء النص بطبيعة الحال). ويجمع بين فصول هذا الكتاب الاهتمام بخصوصية النص الأدبي، وبسماته المميزة من حيث:اللغة والبنية الخاصة (التشكيل اللغوي الخاص) والوظيفة. ولا أكتم القارئ أنني كثيراً ما تداولت بيني وبين نفسي أسئلة كنت أحسبها ساذجة مثل:ما الذي يجعل نصاً ما نصاً أدبياً؟ ما السر الذي يحوزه حتى يستحق هذه الصفة؟ يقرأ أحدنا نصين مضمونهما واحد ومع هذا يحكم على أحدهما بأنه نص أدبي في حين لا يكون الآخر؛ كذلك فما هي هذه (الأدبية) التي امتلكها أحدهما وافتقدها الآخر؟ أو فلنقل استغنى عنها الآخر؟! وظللت مؤرقاً بهذه الأسئلة (الساذجة/ المربكة) وظللت أحلم بضبط هذه (الأدبية) لأستنطقها عن ماهيتها ولكنني كنت أجد نفسي، في كثير من الحالات، في نقطة البداية دونما تقدم يذكر. قد يعود الأمر لضعف في الاستعداد الشخصي، وعدم التحصيل المناسب للأدوات اللازمة أو لنقص في الموهبة وقد يعود إلى كون المشكلة التي أتصدى لها مزيفة ووهمية وغير ذات قيمة، وما كنت أعلم أن البحث (في وعن) هوية النص وانتماءاته يزج الباحث في مواجهة مباشرة مع نظرية الأدب ونظرية النقد ونظريات التلقي ومع ذلك، غامرت وتورطت في محاولة إعطاء وجهة نظر قارئ يدّعي أنه يمتلك حداً أدنى من الأدوات، ومن الاطلاع والثقافة اللازمة لتلك المسألة المتعلقة بهوية النص الأدبي. وهذا ما سيجده القارئ في فصول:(عن القراءة والكتابة، عن الفلسفة والأدب، ممانعة النص لذة التلقي) كما سيجده بصورة مصاحبة (أقل مباشرة) في:(تنمية الإبداع، تنمية التذوق الأدبي/ تنمية التذوق الجمالي وتربيته). وإلى جانب ذلك سيجد القارئ فصلين يتناولان جنسينْ أدبيين بينهما كثير من أواشج الجوار والقربى:(الرواية العربية/ الترجمة الذاتية). وسيلاحظ القارئ محاولاتي المتواترة لربط المفاهيم النقدية الحديثة (أو التي تدعي ذلك) بجذورها النقدية العربية، بقصد تأصيل حداثة عربية معاصرة دون تعسف أو تكلف وسيكتشف القارئ أن كثيراً مما يدعيه الحداثيون والتقليديون (ويا للمفارقة) حول حداثة بعض المفاهيم الأدبية:(الغموض/الغرابة والدهشة/ أهمية الصورة وتقديمها على الوزن والقافية /أهمية الرمز ) إنما هي مفاهيم عربية تصدى لها النقاد العرب القدماء:"الجرجاني/ القاضي عبد الجبار/ حازم القرطاجني/ الآمدي/ ابن رشيق/ أبو هلال العسكري والجاحظ والتوحيدي والباقلاني وسواهم). أنا لا أقول:إن نقادنا القدامى قد استنفدوا كل قول، ولم يترك المتقدم للمتأخر شيئاً لأن هذا إن قلته، يشكل خروجاً على التاريخ وعلى المنطق وعلى العقل وإنما أقول:إنهم قد خلّفوا لنا تراثاً نقدياً هاماً وعتاداً غنياً من المفاهيم والآراء الناضجة والناجزة وكثيراً من الإرهاصات والرؤى التي يمكن أن نطورها وأن نبني عليها وفي الحالات جميعاً أرى أنه من واجبنا أن نعود إلى تراثنا النقدي لاستيعابه وامتلاكه والتمكن منه لنتجاوزه، من ثم، عن بينة وفهم واطلاع وليس استجابة لطموحات آداب أخرى وحضارات أخرى وحينها يحدث - فيما أزعم- الحوار الحقيقي بين الحضارات، ومنجزاتها كافة ومن ذلك الإنتاج الأدبي. حمص - في 10أيار - 1999 محمد راتب الحلاق عــن القــراءة والكتابــــة انضبـاط التفســير /مغامـرة التأويـل " روى (ابن عبد البر) في كتابه (جامع بيان