محمد توفيق الصواف الـمـحـتـل« قراءة في القصة القصيرة »الإهــــداء : إلى أرواح شهداء الانتفاضة هذا الكتابمقدمة بقلم الشاعر الفلسطيني طلعت سقيرق كان مفترضاً أن يصدر هذا الكتاب، على ما أذكر في العام 1990، أي قبل صدور كتابي (الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني) بثلاث سنوات..أتذكر هذا بوضوح،لأن كتابي (الانتفاضة في شعر الوطن المحتل) ما زال ينتظر الصدور عن دار الجليل بدمشق؛ وكأنما كتب على هذين الكتابين أن ينتظرا الصدور، وأن يطول الانتظار..وكنت في زمن مضى، قد اتفقت والصديق الباحث محمد توفيق الصواف على تناول الانتفاضة وأثرها في أدب الوطن المحتل، فأخذت جانب الشعر، وأخذ هو جانب القصة.وبعد أن أنهى كلّ منا كتابه، كان علينا أن نبحث في أمر صدور هذا وذاك..وها هو كتاب الباحث الصديق محمد توفيق الصواف يرى النور بعد أن طال وطال الانتظار.ما أوردته سابقاً، أوردته عن قصد، لأنبه القارئ بصورة جلية واضحة، إلى أن المصادر التي توفرت للكتاب، لم تكن كافية، أو بالوفرة التي يمكن أن نلحظها بعد مرور كل هذه السنوات.إذ كانت الكتابات في ذلك الحين، ومن الوطن المحتل تحديداً، لا تصل إلينا إلا بشق الأنفس، وكنت، والباحث الصواف، نقوم بنسخ المادة يدوياً أو تصويرها، ثم تصنيفها ودراستها وهكذا..وكم كان الأمر صعباً وشاقاً.الآن، وبعد مرور كل هذه السنوات، يضع الباحث محمد توفيق الصواف، بين يدي كتابه لأقول كلمتي، لأقرأ.فماذا كان عليّ أن أقول؟؟؟ من هنا أبدأ..قبل الدخول في الحديث عن الكتاب وقراءتي له، لا بد من القول: إن الصديق والأخ الباحث محمد توفيق الصواف، لا يدخل مجال الكتابة والبحث، في كتابه هذا، دون استناد على تجربة طويلة، امتدت على مدار سنوات من الكتابة والبحث في الصحف والمجلات.إلى جانب امتلاكه لأدوات الكتابة في القصة والشعر بشكل متميز.فهو شاعر وقاص، إلى جانب كونه ناقداً مارس النقد الأدبي، إضافة إلى خبرته الطويلة في الدراسة والبحث السياسيين..هذه الإشارة وإن كانت لا تقول إلا القليل عن إبداعات الصواف المتعددة، فإنها تسعى إلى وضع القارئ أمام ضرورة فهم آلية البحث التي سيلحظ أنها لا يمكن أن تكون آلية باحث يدخل عالم البحث والنقد للمرة الأولى، بل هي آلية باحث خبر وعرف وجرب وكتب الكثير ليصل إلى هذا المستوى..وأعود إلى الكتاب رغم هذا الإصرار الغريب على الاستطراد والتنقل..عندما بدأت قراءة المخطوط -وأسجل هنا ملاحظتي بكل الوعي والانتباه -كنت أقرأ برتابة وكسل.إذ بعد كل هذه السنوات من التعامل مع مادة وإبداعات الوطن المحتل، وصلت إلى قناعة فيها الكثير من الغرور وهي أنني أصبحت أعرف كل شيء عن هذه الإبداعات وما يكتب عنها.فماذا سأجد عند الصديق الصواف من جديد!!، خاصة حين تكون الدراسة عن موضوعة الانتفاضة وهي الموضوعة التي تعاملت معها، ومع انعكاسها في أدب الداخل بشكل لافت أصبح يعرفه الجميع، ولأن الغرور مرض، فقد تملكني الظن بأنني لن أقرأ جديداً في الدراسة التي بين يديّ!! أعترف بأنه كان عليّ بعد صفحات قليلة من القراءة أن أركز كلّ انتباهي وأنا أقرأ؛ فما يطرحه الباحث الصواف مثير ومدهش حقاً، إذ انه يكسر رتابة التناول ليقول موضوعته بتوافق غريب مع المادة المتناولة، إلى حدّ يجعل القارئ يشعر وكأنه أمام أبطال القصص من جهة، وأنه أمام عالم جديد يكتشفه للمرة الأولى من جهة ثانية.فتأخذه الرغبة في المتابعة والمعايشة، وتلمس كل حركة.في هذا المسار، وهو مسار يبقى مختزناً الكثير من احتمالية الإدهاش والإمتاع والإفادة، تنتقل قصة الانتفاضة من حركية السير على الورق، لتضعك مباشرة في المعترك وسخونته.ولا تستغرب، إن وصلت في بعض الحالات إلى الشعور بأنك ترمي حجراً من حجارة فلسطين على جنود الاحتلال.كل ذلك طبعاً جراء أسلوبية متميزة يطرح بها محمد توفيق الصواف خطوطه وألوانه.فالفرشاة التي يرسم بها تعرف كيف تتواصل كل التواصل مع حركة أصابعه وأفكاره.وأشهد أنه صاحب أسلوب بارع.قادر على الوصول والتواصل والدخول إلى أعمق الأعماق.قد لا يعرف كثيرون أن الصديق الباحث محمد توفيق الصواف كان قد انصرف سنوات، إلى دراسة اللغة العبرية حتى أتقنها، وكان في ذلك الحين بصدد دراسة الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية، للنظر في صورة الشخصية الروائية مع واقعها في هذه وتلك.