بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
بالمعطى الحدثي، والأكثر استجابة وقابلية للتفاعل مع المتغير الذي ينجم عنه..وربما، لهذه الخصيصة المميزة لطبيعة الأدب عُدّ،ومنذ أقدم العصور، مرآة الأمة التي تنتجه، والذاكرة الجمالية لأحداث تاريخها ولإرهاصات هذه الأحداث مقترنة بتطلعات أبناء الأمة وطموحاتهم، في آن واحد..بتعبير آخر، عُدّ أدب الأمم، ومايزال، تاريخها المكتوب بأسلوب فني، ومن وجهة نظر جمالية ترصد متغيرات الراهن، وتسجلها، وتتنبأ باحتمالات المستقبل، على نحو فيه من الصدق والمتعة والغنى أكثر مما هو موجود في كتب التأريخ المتخصصة..من هذه الزاوية المحددة في الرؤية، لجدلية العلاقة التفاعلية بين المعطى الحدثي والإبداع الأدبي، يمكن القول: إن الانتفاضة بسيرورتها الحديثة، وبجملة المتغيرات الي تضمنتها نتائجها الحاصلة حتى الآن، كانت محرضاً قوياً على الإبداع، في المجال الأدبي، وعاملاً فعالاً ومؤثراً، في تحديد نوعية مضامين هذا الإبداع، وفي الأسلوب الفني لإخراجه، أيضاً..ويقود استقراء الخارطة الجغرافية للنتاج الأدبي العربي المزامن لحدث الانتفاضة، إلى الاستنتاج بأن أكثر المواقع تأثراً بهذا الحدث ونتائجه هو مسرحه المكاني، أي داخل فلسطين المحتلة..وهذا بدهي، لعدة عوامل، من أبرزها: أن الأدباء الفلسطينيين هناك لا يعانون مجريات الانتفاضة عبر نشرات الأخبار وتعليقات الصحافة، بل يعيشونها واقعاً حياً وممارسة يومية، ينغمسون فيها، ويشارك بعضهم في صنع حركيتها، عبر ممارسة النضال والتحدي، وعبر الإصرار على استمرارية هذا التحدي، على الرغم من احتمالات التعرض للاعتقال والسجن والإقامة الجبرية وتكسير العظام، وحتى احتمال التعرض لمواجهة الموت.وهذا يعني أن ما كتبوه عنها لم يكن ترفاً إبداعياً أو مجرد تعبير عن التزامهم بقضايا وطنهم وشعبهم فحسب؛ بل كان، إضافة لمحاولتهم تأكيد هذا الالتزام، تعبيراً عن معاناة مباشرة، وعن تجربة حياتية صعبة يخوضونها صباح مساء، وهم يجسدون التزامهم ممارسة، على أرض الواقع قبل أن يجسدوه منطلقاً ورؤية، في نسيج إبداعاتهم الأدبية ومضمونها..(4) وضمن هذه البقعة الجغرافية الملتهبة بالحدث المتفجر، ووسط دوامة الفعل ورد الفعل اليومية، ليس كالشعر فنّ قادر على رسم صورة الانفعال الآني، وعلى التوتر بأنات الوجع وامتدادات الصراخ وترجيعاتها، وليس كمثله قدرة على نقل رؤيا القادم المأمول في ذروة الإحساس بالنزيف وآلام الجراح.وإلى حدّ ما، يمتلك البناء الفني للقصة القصيرة بعض قدرة البناء الفني للقصيدة الشعرية، على التفاعل مع الحدث الآني، والنبض بتوتراته العنيفة.وهذا يعني أن كلا هذين النوعين الأدبيين قادر- مع ملاحظة أن الشعر أكثر قدرة- على إيصال الشحنة الانفعالية الآنية بالحدث، من ذات المبدع إلى القارئ، وهي ما تزال محتفظة بعد، بقدر كبير من حرارتها..وهذه القدرة، تعد بين أبرز ما يفسر إمكانية مواكبة القصة القصيرة لسيرورة الأحداث وتطوراتها، بخلاف الرواية التي لا تتاح لها مثل هذه الإمكانية إلا نادراً.وبالطبع لا تعني النظرة السابقة لفن القصة القصيرة على افتراض صوابيتها -طغيان انفعالية الشعر ونبرته الحماسية العالية، والمباشرة غالباً، على ماصدر من قصص قصيرة، داخل الوطن المحتل، في زمن الانتفاضة.ذلك أن القصة القصيرة -في معظم نماذجها- بقدر ما تقترب من الشعر في قدرته على التفاعل السريع مع الحدث الآني، بقدر ما تقترب، وفي ذات الوقت، من فن الرواية، في امتلاك بعض قدرته على تعميق الحدث ومحاولة تحليل عدد من دوافعه وأهدافه ونتائجه بشيء من البرود الموضوعي.وهذا ما يجعل القصة القصيرة- إذا صح التصور- فناً وسطاً بين انفعالية الشعر، بحرارة تعبيره العاطفي المتوتر وبين عمق الرواية، بأسلوب معالجتها الموضوعي الهادئ.(5) وبعد، قد يكون من الضروري الإشارة ولو بلمحة سريعة إلى الدافع الذي حدا بالباحث للقيام بهذه الدراسة؛ وإلى مصدر مادتها، والنهج الذي اتبعه في بحث هذه المادة؛ وأخيراً إلى أقسام الدراسة.بالنسبة للدافع، يمكن القول: إن اختيار قصص الانتفاضة -إذا جاز الاصطلاح- موضوعاً للدراسة كان بالدرجة الأولى- وليد الرغبة في المساهمة بإلقاء بعض الضوء على ما أحدثته استمرارية فعاليات الانتفاضة من تأثيرات، في حقل صغير من مساحة الإنتاج الأدبي، داخل فلسطين المحتلة، هو حقل القصة القصيرة..وذلك انطلاقاً من الاعتقاد بأن تأثير هذه الثورة في مجالي الأدب والثقافة، على الصعيدين الفلسطيني