بازیار الجمیل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بازیار الجمیل - نسخه متنی

ابراهیم الخلیل

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فردّت (ش) بإصرار:

- أنا خائفة

-إذن لنفترق بإرادتنا.

-لا. صاحت برعب ويدها ترتعش.

-والحل؟!

-نفترق مؤقتاً، ونجرّب.

- نفترق مؤقتاً، ونجرب. وافترقا مؤقتاً، لاذت هي بعالمها الخاص، وانصرف هو إلى العرق والرسم في المساءات الثقيلة. وكانت رحلة العطش. ... تحركت المرأة تمن مكانها. فتحت الباب ثم اندفعت لا تلوي على شيء، وكان الشارع خالياً في تلك اللحظة، والمقهى القريب شبه مهجور، ولم تسأل نفسها:

- إلى أين ؟ تركت لقدميها حرية الحركة والاندفاع إلى حيث تشاءان وكأنها منومه أو مسلوبة الإرادة، فهذا العطش أعماها، عطل فيها كل شيء، فهو يسكنها يضغط على أعصابها، فتلوب عيناها بحيرة وألم، وتتشنج أصابعها وعروق العنق، وينسحب الشحوب على وجهها قناعاً مستعاراً بلون الطباشير . ... عطشان يا صبايا. جاءه الصوت من مذياع الجيران فهزّه، أقلق قنوته الخاشع، فاندفع إلى الخارج زائغ البصر، مشوش الذهن، هذا العطش يقتله يحوله إلى كومة من الرمل الجاف. ولم يسأل نفسه:

- إلى اين ؟ كانت المرئيات من حوله تتحرك كأشباح في ضباب، بلا صوت مجرد كتل هلاميه، تأخذ مساحات من الفراغ، فتمنى لو كانت معه ريشته وألوانه لينقل هذه الإحساس الغريب بالعالم إلى لوحة بالتأكيد ستلقى الترحيب من الجمهور. كانت (ش) تشعر بأنها تحلّق. ترتفع بجناحين من حرير، والعطش يقودها في أودية عميقة بين ماء ونار، وكانت خائفة ومهتاجة، تعبر بين الظلال والألوان وكل شيء أمامها كبساط من صوف، الفضاء، والسهوب، والعماير، والشجر، والمخلوقات، والعطش لا يفارقها، يدق جرس القلب الصغير، ويضرب العصب بشدة.

- هذا العطش حارق وقاتل. قالت ثم تابعت بعد حين باستسلام:

- هذا العطش اسمه (ع). وتصور أمامها هذا العطش كرة من النار والضوء فاتجهت إليه باستسلام قدري وهمست:

- إنه قدري. ... كان (ع) يحسّ العطش شمساً من قصدير ولهب. رملاً يشويه القيظ، وكان يراه فرساً تدوس بحوافرها صدره وعصبه وتفري لحمه، تنثره في الحماد فيتبدد بين الرجوم، يضيع وسط عماء وحيرة.

- هذا العطش لا يطاق. قال ثم تابع بحسم:

- هذا العطش اسمه 0(ش). ومضى لا يلوي على شيء، عاصفة من الأوراق واللون والمشاعر الحادة. .... وقفا وجهاً لوجه. قالت (ش) باستسلام أحبك . قالها لها(ع):

- أحبك واندفع تيار من الهواء يملأ نوافذ الجسد، ومسامه، وعصبه، وعبقت رائحة عطر غامض، ودفنت (ش) وجهها في صدره وكأنها تريد أن تغفو. المهرة والعذارء كانت ليلة باردة وسوداء. تهب ريحها معولة كالشياطين، فتثير في طريقها الغبار والأوراق اليابسة والحصى، وتسفع الوجوه والجدران الطينية وذوائب الشجر الرعوي، فيتردد صدى عويلها في الوديان والشعاب عميقاً مخلفاً وراءه رهبة وجلالاً وضيقاً بهذا الجبروت، وهذه القسوة غير المبررة أحياناً، وغير المفهومة، لكنها باتت مع ذلك أمراً واقعاً عند الساكنين وكأنه قدر لا مهرب منه. وكانت أمي تقف بطولها الفارع، وثيابها السود، وهي ترفع بيدها اليمنى قنديل الكاز، فتبدو في ضوئه الشاحب وجوه الحاضرين جامدة، قاسية الملامح كالصوان، وقد ترجرج في العيون خوف قديم وخاشع ولهفة غامضة وترقب لما تـأتي به اللحظات الغامضة. كان الوقت رملاً ينسرب من بين الأصابع، أجنحة تحلق فوق الرؤوس وتصطفق، كان صوتاً يأتي من كل الجهات يحمل إلى الواقفين نداء غامضاً لأغنية الحياة المهددة، الحياة الخارقة التي تنبت في شقوق الصخور مثل وردة برّية من شوك العاقول. ومن داخل الحظيرة جاء صوتها، حمحمة عميقة، تتصاعد من صدرها العريض وهي تدق بحوافرها الأرض، وكأنها تترجم ألمها

/ 31