تأليف:سيّد مهدي شجاعي أزرق ولكن بلون الغروب تعريب:د.ندى حسون مراجعة:سمير أرشدي.بسم الله الرحمن الرحيممنشورات اتحاد الكتاب العرببالتعاون مع المعاونية الثقافية لوزارة الثقافة والأرشاد الأسلامي في إيران ضريح عينيك الليلة هي الليلة الخامسة التي سكنت فيها على الثرى ويد الرياح تعبث بشعرك، إن قولي لك "إن قلبي عندك" لا يحمل أي معنى، لأنك قلبي الذي سقط على التراب وتوقف عن الخفقان. لستُ بميّت القلب. لأنك لم تمت أبداً، ولست بصاحب القلب البارد، لأنك تعطي الحرارة للشمس.ماذا أقول؟ إنني ستُ ذا قلب متعب، لستُ ذا قلب جريح، وقلبي سعيد لأنك مسرور وطرب. منذ تلك اللحظة التي رقدت فيها هناك، لم أنم حتى هذه الساعة، من تلك اللحظة التي رقدتَ فيها، لم أذق طعم الراحة. لم أدع أحداً يعلم باضطرابي أما أنت فقد علمت ولابد. في هذه الأيام الخمس بلياليها لابد أن تكون قد شعرت بنظرتي المتعبة العطوفة دوماً تداعب جسدك المحطم. لا تظن يا روح أبيك! أني كنت بلا تفكير.. طوال هذه الأيام الخمس بلياليها كنت أنظر إليك من أعالي تل التراب ذاك في الصحراء وكنت أحاول في ذهني أن أجد طريقة توصلني إليك وأن أبعدك عن متناول النيران. لكن الأمر كان غير ميسر كما رأيت بنفسك يا قاسم! كانت النيران تنهمر من الجانبين، وتقطع أنفاس التراب. والآن أليس الأمر كذلك؟ بلى لكن طاقتي قد أشرفت على الانتهاء ولم أعد أحتمل شيئاً. لم يكن مجيئي حصيلة قرار اتخذته الآن فقد أروني إياك منذ البداية، وقد أراني المنظار جسدك المحبوب، وحتى هذه الساعة كنت في قلق واضطراب لهذا القرار وهو كيف سآتي بك من المعركة. كيف سأنجيك من وسط الدماء والنيران والقنابل فهذا الزحف نتيجة ذاك الاحتراق الذي كان يحثني على الذهاب طول هذه الأيام الخمسة والآن أيضاً لو عرف البقية ماذا أفعل، سيمنعوني بلا تردّد ليس بأن يقولوا إن ذلك غير ممكن فحسب بل سيقولون، إن هذا ليس من مهمتك وسيحملون عبء هذه الرسالة على أكتافهم وهذا لا يرضيني. لقد عاهدت نفسي، أن آتي وآتي وحدي، وأحمل وحدي جسدك الضعيف الخفيف، المصاحب لهمّك الثقيل وخاطراتك الجميلة على كتفي. إن معنى الأبوة هو هذا. لو استطاع الأب أن يقسّم همّ ابنه على أكتاف الآخرين فإن ظهره لن ينحني ولن ينكسر ولن يشيب شعره، كل هذا سببه أن الآباء يحملون أحمالاً ثقيلة كهذه على أكتافهم. منذ سمعت خبر ذهابك ورأيت سقوطك على التراب، أضفت ابتسامة عند تعاملي مع الآخرين، إلى ماكان عندي سابقاً. صحيح أني أمضيت أكثر وقتي في النظر إليك لكن مع الآخرين لم يكن الأمر كذلك. لم أشأ أن يشاركني أحد في حزني، من أجل ثواب الله ورضاه في تلك الدار. كنت أروي ظمأ الخنادق، أقدّم الماء للجنود ، كنت قد رأيت أنهم يفتعلون المقدمات لإخباري بشهادتك. كانوا يعلمون أن لا أم لك ولا أخ ولا أخت، وكانوا يعلمون أني أنا وأنت وحدنا قد بقينا من تلك الأسرة العظيمة ونحن الوحيدان اللذان لم تصل إلينا الصواريخ. كانوا يعرفون ارتباطنا القوي وألفتنا ومحبتنا من أجل ذلك، أرادوا أن يصنعوا مقدمات. قالوا:الله وحده هو الباقي وقلت:ليس قاسم وحده من يذهب. سألوني بحيرة وتعجب:هل قال لك أحد شيئاً؟ قلت:ذهاب الجميع وبقاء الله هو الذي انبأني، فقاسم لا يختلف عن البقية في شيء. قالوا:من الذي أحضر لك الخبر؟ قلت:رائحة الولد؛ رائحة الدماء التي تضرّج الولد. أقسم بالله أني لم أكذب، لولا وجود رائحتك يا قاسم، في هذا الظلام الحالك الذي يتناوب فيه القمر مع الغيوم السوداء، كيف كنت سأحدّد الجهة وأجد الطريق إليك؟ إنك لن تصدّق يا ولدي، أني عندما كنت آتي إلى المنزل وأنت فيه، لم يكن من الضروري أن أعلم بوجودك من ملابسك أو حذائك أو صوتك، إن رائحتك هي التي كانت تفشي خبر وجودك دون أن تعرف. وكأن هذه الرائحة هي التي تجعلني أزحف نحوك، هذه الأضواء الكاشفة التي تُطلق من خنادق العدو المظلمة هي التي تصعّب الأمر على أبيك.