عن التاريخ يقول ابن خلدون: إن فن التاريخ الذي تتداولـه الأمم والأجيالْ وتُشَدُّ إليه الرَكائِبُ والرِّحال وتسمو إلى معرفته السوقَةُ والأغْفالْ وتتنافس فيه الملوك والأقيالْ ويتساوى في فهمهِ العُلماءُ والجُهّالْ وما سأقوله عن العجيلي: ليس ممالأة في مدح، أو مبالغة في نقد ولا أدعي أنني أقيسه بالقسطاس المستقيم محمد جدوع الفصل الأول الموطْـــأ بداية لابد من الإشارة، إلى أن التاريخ والعجيلي لا يمكنان الباحث في تقديمهما بالنيابة، فالعجيلي بموهبته الفذة، ومعرفته الموسوعية التي جعلت منه كنز معلومات لا ينضب، في وقت نشَّت فيه معارفنا ـ الموسوعية ـ قياساً لما أنتجه أجدادنا الأوائل.ونظراً لما يمتلكه من ذاكرة تاريخية، ذات إحاطة شمولية، غدا الزمن بفعلها مجرد آنات قصيرة يمكن استعراضها بوقت وجيز.كما أن سفره ـ الذي لا ينقطع ـ مكنه التعرف على معظم أصقاع المعمورة على اتساعها، وأكسبه خبرة تجريبية واسعة.أتاح لـه معرفة شجونها وشؤونها، إضافة إلى إطلاعه الواسع على النتاجات والإبداعات الفكرية، والعلمية.في لغاتها الأصلية مباشرة دون تعريب، من خلال إجادته وإتقانه لأهم لغتين عالميتين، الإنكليزية والفرنسية، أتيح لـه ـ من خلالهما ـ التعرف على شتى المستجدات التي أبدعها المفكر المعاصر.كما أن استلهامه للتراث الديني والمعرفي في شتى مناحيهما.كل هذه الظروف تضافرت، لتجعل منه (كومنولث) أدبي، أنجز إبداعات تتناظر في ملامحها مع إبداعات أفذاذ المبدعين.كل حسب ميزته التي تفرد بها.فهو كـ (موباسان (1)) في المصادفات.و(إدغار ألان بو (2)) في العجائبيات.و(راسين (3)) في إنطاق الموتى.و(جوناثان سويفت (4)) في تجواله ورحلاته وأسفاره المتخيلة "التي بث من خلالها رؤاه وأفكاره".و(أناتول فرانس (5)) في الهجاء الساخر.و(غوته (6)) في التجربة المعاشة.و(بلزاك (7)) في مواكبة الحتمية الاجتماعية ورفضه، وفضحه لعيوب الطبقة الأرستقراطية، التي ينتمي إليها.و(تشيخوف (8)) في الجمع ما بين الطب والأدب من جهة، والصدق والتواضع من جهة أخرى.و(تورغنيف (9)) في أسفاره وميوله الغربية من جهة، ومواقفه الوطنية الصلبة.التي لا يعرف الوهن والتردد إليها سبيلاً من جهة أخرى.كما ويتماثل مع (فلوبير (10)) في التمثل النفسي لشخصية البطل المتخيلة، وتطابق الموضوع مع الأسلوب وإذ نجد في إبداع العجيلي سمات أغلب أعلام الفكر الغربي فهو لا يغيّب عنا "الجاحظ" في أسلوبه السلس والساخر، ولا تغادر بنا الذاكرة عبر مقاماته (الجنيفية) والطينية بخاصة، مقامات "بديع الزمان الهمذاني" وعبد الحميد الكاتب في مراسلاته ومكاتباته، كما يذكرنا الطبري في حولياته التاريخية وفي الحين نفسه ينأى عن النظرة التقديسية الكلية إلى مخلفات السلف، كون البعض منها غير صالحة، ومهيأة للأخذ بها لأن: (الأدلة التي يسوقها السلفيون...لا تقاس بها حاجاتنا العصرية).هذا الرأي يتطابق والإمام الغزالي في قوله: (لا مطمع في الرجوع إلى التقليد بعد مفارقته) لماذا!؟ يبرهن الغزالي بأن: (أدوية الشفاء تختلف باختلاف الداء لأنه كم من داء ينتفع به مريض ويستضر به مريض آخر).وإزاء كتاباته في (حكايات من الرحلات ـ دعوة إلى السفر ـ والسيف والتابوت ـ والمقامات) تبدو معلومات (تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسعار) لمؤلفه (محمد بن جبير) الأندلسي الموحدي الذي كتبه على امتداد ثلاث سنوات وثلاثة شهور عن البلدان التي زارها متواضعة قياساً على ما أنجزه العجيلي كما تصبح المسافات التي قطعها ابن بطوطة على الرغم من أسبقيتها وأهميتها قياساً على الفارق في (الأسبقية وطريقة السفر) قليلة أمام ما قطعه العجيلي من آلاف الأميال عبر سنين عديدة.أما بداية حياته السياسية والأدبية، فيوجزها في كتاب "وجوه الراحلين" عندما تصدى وأقرانه للهموم السياسية، والمساجلات الأدبية.مبتدئاً باستعراض وجوه الراحلين بالمرحوم (نجيب الريس) الصحفي الغيور على قومه والمنتصر لتطلعاتهم أمام ظالميهم من المحتل الفرنسي الذي تجشم عناء السفر من دمشق إلى الرقة ومكث فيها ثلاثة أيام، ليتعرف على المظالم التي أحاطت بتلك البلدة ـ القرية المنسية وأهلها على يد ضابط الاستخبارات