بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
طارئ غريب إلى حالة يقين وتيقن باستمرارها، ومشروعيتها ويتجلى مكمن خطورتها من شدة احتمائها وتماهيها بالفاعل ـ الآخر الذي تسبب في إيجادها، جاعلاً منها ـ بعد أن جردها من فاعليتها مجرد أبواق تقديس وتسبيح بحمد أفعاله الجائرة، ضارعة للخالق بديمومة استمرارها، باعتبارها أعطية من عطاءات السماء للأرض.وقد عرفت أمتنا عبر تاريخها هذه الحالة، عندما انتشرت واستشرت ظاهرة الفرق الصوفية.ليست كونها طريقة تزهد وعبادة فحسب.وإنما كونها تسبغ وجوداً شرعياً على المحتل الذي أعطب العقل وأبطل الفعل، وأعضب الإرادة، ونظراً للخدمة المجانية التي أسدتها الفرق الصوفية في إطالة عمر المحتل العثماني لا نستغرب الانتشار الواسع لـها في أيامه الأخيرة.فبدل أن تقوم تلك الفرق لإنجاز مقومات فاعلية التصدي لجأت لضعفها للتسبيح لفاعلية قاهريها، الأمر الذي أوصل المجتمع العربي عصر ذاك إلى الحالة (الأنومية (14)) التي تقلب المعايير الأخلاقية إلى نقيضها، بسبب انعدام فاعلية الفعل، وسيادة فلسفة التسويغ والتبرير المجانب والمجافي للمعايير الأخلاقية القويمة.من هذا الموقف جاءت التجاءات العجيلي التاريخية التي نبش من ـ خلالها ـ المواقف التي يجب أن يتخذها دلالة وعبرة وعظة لتبعث إرادة المواجهة المتناسية مع درجة وشدة التحدي الذي نواجهه.صحيح أن الاستشهادات التاريخية للعجيلي ذات طابع انتقائي.إلا أنها تختلف عن انتقائية (ابن قتيبة) أولاً و(بلوتارك) ثانياً، ولأنها انتقائية لا تقف عند الذي (حدث) بل تطمح لأن تجعل من فعل ما (سيحدث) مشابهاً للذي (حدث) ولكنه متجاوز لـه في كيفية الأداء، وكمية التأثير، وشدة التغيير وهنا يلتقي العجيلي مع نظرية (توينبي(15)) التي تربط استمرار الحضارات في مدى قدرتها واستجابتها للتحديات التي تواجهها.ومن هذا المنطلق جاءت استشهادات العجيلي التاريخية، لاستجلاء أمرين لا ثالث لـهما الأول: الدلالة المعبرة، والعظة التي تجنبنا الضعف والاستكانة من جهة.والثاني: الحذوة والقدوة التي تبعث فينا إرادة المواجهة والتحدي من جهة أخرى.من خلال أحداث تاريخية جعل لـها ديمومة التأثير.ضمن انتقائية عارفة ومتبحرة في أعماق التاريخ على امتداده الطويل.جاعلاً من الواقعية ـ الحدث ـ التي ولّى زمانها، وامَّحى أثرها حية لا تموت مقبورة مع فاعليها لأنها ـ عند العجيلي ـ تحمل في ذاتها ديمومتها وفاعلية تأثيرها.إما في اتخاذها قدوة تحتذي الواقعة الإيجابية ـ التي سنتطرق لـها لاحقاً.وتمثلها عبارة (..إياك أريد (156) أو باعتبارها رداء لعار أبدي ـ الواقعة السلبية التي تستمد عافيتها من قدرة التنفير والتكريه لتضمن لـها أمداً تأثيرياً مديداً وتمثلها عبارة: (ابك مثل النساء (17)) التي سنفصلها تالياً.إن سر نجاح العجيلي للتناول التاريخي يؤول إلى انتقائيته الموفقة، للواقعة ذات الدلالة.كما أن قدرته في توظيفها في الزمان المناسب، ليجعل منها مصدر تحرير وتثوير للآن (الحاضر) المعاش.من خلال قدرتها على التأثير الذي يحفز الإرادة النائمة الهاجعة.ويبعث الحياة في القدرة العاطلة المعطلة من خلال سحبها من حالة السبات الذي تسبح فيه في الزمن الذي جردها من فاعليتها الكامنة فيها.حيثُ لا خلاص إلاَّ باستجماع مقومات التحدي لما آل إليه الواقع الذي فقد إمكانية الاستمرارية التاريخية لانعدام الفاعلية، التي ـ وحدها ومن خلالها ـ يمكن استعادة الصلة بالماضي الذي تنتمي لـه، والمستقبل الذي تنشد إشادته.والعجيلي وبالرغم من القراءات المتعددة للتاريخ، والآراء المتضاربة فيه، لدرجة تصل إلى التعارض والتناقض، فإنه ببراعة، وخبرة عرف كيف يوظف الذي (حدث) لاستنهاض ما (سيحدث) متنحياً متجنباً ـ المواقف الأخلاقية في التاريخ ـ التي تبعث نار الفرقة والتذرذر.ولأن أغلب تناوله للتاريخي من خلال (اللحظة التاريخية) فإنه يوردها، يحييها ليس لإحياء ما فات من زمن، وما مات من فعل، إنما يوردها للعبرة والدلالة ـ منطلقاً من خلالها ـ في استنهاض الهمم، وشحذ الإرادة الفاعلة التي تجنبنا حالة السبات الحضاري، وتعيد مكانتنا في التاريخ، من خلال وضعنا في دائرة الفعل التاريخي.لئلا نطوّح جانباً في سلة الزمن الموات.ولأننا لا نود الخوض في المتاهات التنظيرية ـ الجدالية ـ التي لا جدوى ولا طائل منها ـ حول التاريخ الذي لم يعد ذلك العلم الذي يقتصر على دراسة ما مضى من الزمن، وما فات من حدث.كما أنه لم يعد مجرد إدراك علاقة التتابع بين الفعل السابق