بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الاجتماع فقد نالت مراتب أقل وأدنى على ساحة "الخريطة الأكاديمية" لعلم الاجتماع في الوطن العربي(5). وقد حاول الباحثان (العيسى والحسيني) التعرّف إلى تصوّرات المشتغلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي حول أهم النظريات الاجتماعية شيوعاً وانتشاراً. وتبيّن أنّ النظرية البنائية الوظيفية بشكليها التقليدي والمعدّل تمثّل النظرية الاجتماعية الشائعة في الوطن العربي. أمّا نظرية التفاعل الاجتماعي فتبدو أقلّ انتشاراً، وكذلك النظرية النفسيّة الاجتماعيّة. أمّا أقلّ النظريات الاجتماعية شيوعاً في الوطن العربي في نظر أفراد عيّنة البحث فهي النظرية الايكولوجيّة. ويعتقد 81.48 بالمائة من أفراد المجتمع البحث أنّ علم الاجتماع في الوطن العربي يخضع لسيطرة علم الاجتماع الغربي (أوروّبا الغربية وأمريكا). وفي مقابل ذلك وجدت الدراسة أنّ أقلّ من خُمس أفراد العيّنة بقليل (18.52بالمائة) يعتقد أنّ المادية التاريخية تمثّل واحدة من النظريات الاجتماعية الشائعة في الوطن العربي. وفي كل الأحوال لاحظت الدراسة أنّ أفراد مجتمع البحث يعبّرون عن تبعية علم الاجتماع في الوطن العربي للاتجاهين الفكريّين العالميين في الثمانينات (البنائية الوظيفيّة والماديّة التاريخيّة) اللّذين يمثّلان تعبيراً عن الخبرة التاريخية للمجتمعات الغربيّة(6). ومن ناحية أخرى، فإنه يسود اعتقادٌ بين الباحثين الاجتماعيّين والمُهتّمين بالعلوم الإنسانية والاجتماعية بأنّ علماء الاجتماع العرب لم يساهموا إلى الآن في فهم دقيق وبنّاء لمجتمعاتهم المحليّة وثقافاتها. وبالرغم من أنّ هذا الشعور يشير إلى نوع ضروري من النقد الذاتي، إلاّ أنه يعكس واقعاً حقيقياً، بصرف النظر عن أسبابه وظروفه وملابساته. ونستطيع اليوم أنْ نتفهم مقولات مُتداولة بشكل واسع، مثل "التبعية الفكرية"، و"الاغتراب الثقافي" و"القراءات غير النقديّة" لفكر "الآخر". ومعنى ذلك أنّ ثّمة وعياً متزايداً لدى علماء الاجتماع العرب بأنهم لم يساهموا حتى الآن فيما ينبغي عليهم المساهمة في فهم واقع المجتمعات العربيّة(7). والواقع أنّ علم الاجتماع العربي لم يَعُدْ مقصوراً على نُخبة مُثقفة موصولة بالغرب أو بالشرق (النُخبة السوسيولوجية)، في حين أنّ الواقع يُظهر إنه إذا كانت الترجمات السوسيولوجية تحتلّ الواجهة في المكتبة الاجتماعية العربية وفي الجامعات العربية، وإذا كان هناك اعتماد نسبي على الخبرات الأجنبية، فهناك في المقابل جهود عربية أكاديميّة وبحثية لوضع المصطلح العلمي الاجتماعي، ورصد التحوّلات الاجتماعية العربية رصداً علمياً ودقيقاً، وهناك توجّهات نحو إنشاء المعاهد العلمية الاجتماعيّة التطبيقية ونحو المختبرات الاجتماعية، كما أنّ هناك مجلاّت للعلوم الإنسانية عامة والعلوم الاجتماعية خاصّة. فالتقدم الاجتماعي الذي يقرع أبواب المجتمعات العربية، لا يتحدّاها من الخارج وحسب، بل يتحدّاها من الداخل أيضاً، لا سيما وأنّ الوعي القومي للعرب لا ينفصل عن وعيهم الحضاري، الثقافي، المعرفي، والإسلامي عمقاً. وهذا كلّه يجعلنا نشعر بالحاجة الماسّة إلى التسلّح العلمي بالمناهج والقوانين المجُرّبة والصحيحة(8). وقد لفت انتباه "ديل إيكلمان" أُستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة نيويورك التغيّرات الحاصلة في الدراسات الاجتماعية العربيّة إزاء النظريات والمناهج والمفاهيم الغربيّة قياساً لما كانت عليه منذ عقدين من الزمن. فلم تعد تلك الانتقادات المُعمّمة على كل ما يُنتج في الغرب مُتداولة بالشكل الذي كانت عليه في السابق. وبدلاً من التعميم أصبح الانتقاد ظرفياً وموجّهاً لدراسات بعينها أو لمقاربات نظرية مُحدّدة. بل على العكس، ظهر اهتمام مُجدّد بفهم الأبحاث الغربية في إطارها الأصلي، حتى وإنْ كانت خلفياتها غير مرغوب فيها(9). ولكن تبقى مسألة الصلة الواقعية بين العلوم الاجتماعية وقضايا الإنسان العربي إشكالية، سواء لجهة النتائج أو لجهة الأهمية والحيوية. ففي ندوة عُقدت بقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت (1984) أكّد الدكتور سعد الدين ابراهيم: "أنّ النمو النوعي في علم الاجتماع لم يتواءم مع جوانب النمو الأخرى في الوظيفة أو الدور الذي يمكن أن يقوم به علم الاجتماع في صياغة الحاضر وفي التمهيد للمستقبل العربي. إذ أنّ المتخصّصين لم يساهموا بالقدر الكافي أو بالدرجة المطلوبة في صياغة مشكلات المجتمع العربي المعاصر وتفسيرها، أو في اقتراح الحلول المطلوبة لهذه المشكلات"(10).