بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
المختار، فيتجمع الناس حولها، ثم ينقسمون إزاءها إلى فريقين: فريق (مصطفى) الذي يرغب في استضافتهم، لاسيما بعد أن رأوا مفاتن نسائهم غير المخبوءة خلف الثياب القصيرة، وفريق (يوسف) الذي يرفض استقبالهم قبل معرفة نياتهم.ويكاد الفريقان يقتتلان.بينما تظهر (جماعة أبي داود) المسكنة والذل، وترى أن القرية تتسع للجميع، وأنه ليست لهم من غاية سوى العيش بسلام في ظل قبر أحد أجدادهم.وعندما يطلب منهم يوسف الرحيل يفاجأ بردّهم : "لن نرحل إلا إذا أجمع أهل القرية على ذلك".وحين يدعوهم مصطفى، يجيبه أبو داود:"أشكركم على كرمكم وشهامتكم ياأهل القرية.وأرجو أن تعتبرونا إخوة لكم.إننا منذ الآن نعتبر أنفسنا سكاناً في القرية، نحميها وندافع عنها، ونهتّم بشؤونها ونعمل على تحسين أحوالها".(ص 40). ويلتف شبان القرية حول فتيات أبي داود الحاسرات، يسامرونهن ويراقصونهن.ثم تتوافد مجموعات أخرى من الغرباء، وهي تسأل عن "حارة" أبي داود، بعد أن قدّم لها (مخفر)المنطقة المساعدة اللازمة.ويشتبك مصطفى في عراك مع أحد الغرباء، فيطعنه الأخير بسكينه عدة طعنات، ثم يولي هارباً.ويُتّهم يوسف بقتله. ويؤكد أبو داود التهمة ليشعل النار بين الأشقاء على طريقة (فرّق تسد).وتقوى شوكة جماعة أبي داود فينفردون بالحارة، ويمنعون الآخرين من دخولها، ويبنون مستودعاً كبيراً للأسلحة، ويشتبكون مع بعض شبان القرية، فيلعلع الرصاص، ويتقابل المختار وأبو داود: المختار: غدرت بأبنائنا يا أبا داود، وقد حموك ضعيفاً، وفتحوا لك بيوتهم وصدورهم.تنكّرت للناس الذين وقفوا معك وقت الشدّة. لم يعذّ بوك في حين عذّبك واضطهدك الآخرون..ولم يطردوك في حين نبذتك الأرض. أبو داود: لاأفهم لغة العواطف هذه يامختار.لقد مضى الوقت الذي كنت أستمع فيه لكلامك وأحبس في صدري ماأريد أن أقوله لك من كلام.جاء الوقت الآن لأتكلم صراحة وأعلن لك ما أريد: بيوتكم أخذتها بالقوة، وأصبحت "الحارة" لي.ومَنْ بقي فيها منكم هم الآن تحت تصرّفي وطوع أوامري يعملون ماأريد(ص77-8) ويمسي أهل القرية لاجئين في أوطانهم، لايجرؤون على رفع رؤوسهم، بعد أن سلبهم "الغرباء"بيوتهم وقريتهم وكرامتهم.وحين يعرض المختار على جماعة من أهل القرية محاولة مهاجمة الغرباء لطردهم، يعتذر هؤلاء بأنهم لا طاقة لهم على مقارعة الغرباء.وعندما يقول لهم إننا إذا تعاونا جميعاً فإننا نستطيع طردهم، يسخرون من جهله وأمله، ويؤكدون له أن العدو قوة لاتقهر، وأن عليهم أن يسلّموا بوجوده كحقيقة واقعة.ومع ذلك فإن "المختار" لايفقد الأمل، ولايدع القرية تتدهور لأن بعض شبانها ليسوا كما يريد ، فيجمع شباناً آخرين، ويدفع بهم إلى مواجحهة الأعداء.ولكن لايعود منهم أحد، فيقدف بمجموعة ثانية، وثالثة، وتواجهان نفس المصير.وعندها يندفع أهل القرية جميعاً في هبّة واحدة، لطرد الغرباء، وهم يرددّون: الله أكبر، الله أكبر.إن تصوير الصراع العربي- الإسرائيلي بهذه الطريقة لم يعجب الناقد المسرحي نديم معلاّ، لأنه تسطيح للقضية نفسها، وفهم تقليدي لجوهر هذا الصراع تجاوزه الزمن، فتصوير اليهودي بالخدّاع واللئيم الذي يوظّف نساءه للتغرير بالآخرين، ثم وضع العربي في الصورة المقابلة: أي الشهم الكريم المحب للضيف، يهمل الجوانب الأساسية لحقيقة الصراع، إذ يحوّله إلى نتيجة لخلافات قبلية- عشائرية.إن المسألة ليست بهذه البساطة.إن دور المستعمرين البريطانيين في البداية، ثم دور الأمبريالية العالمية(الأمريكية تحديداً) فيما بعد، إضافة إلى تخاذل الأنظمة العربية في حرب الـ 1948.كل ذلك لايمكن تجاهله .(نديم معلاّ-الأدب المسرحي في سورية ص 100) ولكننا نرى أن الكاتب لم ينس دور الإنكليز الذي سلّموا البلاد التي كانوا يستعمرونها ولايملكونها.وقد أشار إلى أن المراكب المدججّة بالسلاح قد (درّبها الإنكليز وأفسحوا لها الطريق).بالإضافة إلى أن أي كاتب إذا أراد أن يعالج قضية ما من خلال غلالة الرمز الشفاف، فإنه لن يأتي برمزه مطابقاً للواقع مئة بالمئة، ولن يحيط رمزه بكامل أبعاد القضية في امتداداتها الزمانية والمكانية، إضافة إلى أن العمل الفني ليس توثيقاً يرصد كل شيء.ومع ذلك فإن مسرحية (الغرباء) تظل مسرحية جادة.صحيح أنها قالت ماهو معروف تماماً، ولكنها عبّرت عنه من خلال غلالة الرمز الشفاف الذي منحها بعداً فنياً وجمالياً.وواضح أن (الظلم) هو الجذر(الثيمة) الأساسي في المسرحية: ظلم جماعة أبي داود للفلسطينيين.