بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الله ويجعل الرجس على الذين لايعقلون } هذا مع أن أساس نهضتها كان إسلامياً وأن العربية كانت لغة العلم فيها إلى القرن الثامن عشر وأن جامعاتها إنما قامت محاكاة للجامعات الإسلامية . وليت الأمر وقف عند هذا الحد غير أن ما فعلته أوربا كان أفظع من مجرد التعصب لوثنيتها وترك الاهتداء بهدى الله ، فقد تعدى ذلك إلى العدوان العسكري المتواصل أبداً على الإسلام وأهله والوقوف الدائم مع كل عدو لهم وإن كان عابد حجر أو بقر !! . لقد كان إجحافا أن تنظر أوربا للمسلمين النظرة إلى البرابرة (( القوط ، النورمانديين ، الفايكنج )) بلا أدنى اختلاف لكن أنكى منه أن تتداعى القارة طولاً وعرضاً شرقاً وغرباً وتهب هبة رجل واحد لتحرير الأراضي المقدسة من البرابرة الجدد - زعمت - !! وهكذا كانت الحملات الصليبية .. وكانت الصدمة الحضارية التي لم تنسها أوربا لحظة واحدة من عمرها :-
أوربا التي لا تعرف المدن تحاصر مدناً هي صغرى في محيط الحضارة الإسلامية لكن بعضها يبلغ عشرة أضعاف روما عاصمة المتحضرين المقدسة !! أوربا التي لم تعرف العلم قروناً بل لم تعرف كتاباً إلا الإنجيل ولا قارئاً إلا القسيس تذهل للمكتبات الهائلة التي تختـزنها هذه المدن الصغرى من عامة وخاصة وفي كل فنون المعرفة من الفلك إلى النقد الأدبي !! أوربا التي لا تستطيع أن تستغفر ربها أو تصلي له أو تقدم له قرباناً إلا بتوسط البابا وكهنته ولا تستطيع أن تقرأ كتابها المقدس ولا تفسره أو تترجمه إلى لغة حية تجد كتاب الله الأخير (( القرآن )) في الشرق الإسلامي المتحضر تتلوه الملايين في المساجد والبيوت والكل يعبد رب العالمين بلا واسطة مخلوق . أوربا التي يعيش 99 % من أهلها عبيداً ورقيق أرض وفلاحين لا يستطيع أحدهم أن يتنفس الهواء خارج إقطاعيته وإن حاول ذلك كان عقابه الكي بمياسم عريضة تطبع العبودية على جبينه مدى الحياة - تجد الناس في الشرق الإسلامي يعيشون ويتنقلون أحراراً في أرض الله الواسعة من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي ويتاجرون مع جنوب أفريقية والدول السكندنافية وربما مع جزر الكاريبي !! أوربا التي كان أفضل نموذج لوحداتها الإدارية هو حكومات "الكوميون" في إيطاليا تجد الشرق المسلم يعيش أرقى النظم الإدارية في ممالك تبلغ مساحتها مساحة القمر !! أوربا التي يحكمها الأباطرة حكماً استبدادياً مطلقاً ويعتقد الرعايا أن القيصر من نسل الآلهة وأن الله هو الذي أعطاه هذا الحق قدراً وشرعاً وأورثه لسلالته المقدسة تفاجأ بالمسلمين وسلاطينهم من الترك تارة ومن الكرد أخرى ومن المماليك ثالثة والكل بشر في نظر سائر البشر . أوربا الغارقة في الهمجية والوحشية التي تحرق المخالفين وهم أحياء وتتفنن في تعذيب المنشقين وإذلال المقهورين ولا تعرف عهداً ولا ميثاقاً تبهرها الأخلاق الإسلامية في الحرب والسلم سواء . أوربا التي ما كانت تحسب العالم إلا أوربا والتي تسمي الوصول إلى شيء من أطراف الشرق اكتشافاً [ وظلت هكذا إلى القرن التاسع عشر ] فوجئت بالمسلمين يجوبون الدنيا شرقاً وغرباً تجاراً ورحالة ودعاة - بكل تواضع وهدوء - لقد وصلوا إلى أجزاء من شمال أوربا قبل أن تعرفها أوربا نفسها هذا عدا العالم الشرقي الهائل السعة بالنسبة لها براً وبحراً ،وما المساجد التي اكتشفت في جزر الكاريبي وصرخ كولمبس حين رآها ((يا إلهي!! حتى اليابان فيها مساجد؟!!)) إلا أحد الشواهد الثابتة على هذا . أوربا التي كانت تتداوى بمركبات من الروث والبول وأشلاء الحشرات الميتة تفاجأ بالعالم الإسلامي زاخرا بالمستشفيات والمعامل القائمة علة منهج التجربة و الاستقراء مع الخبرة والحدس ، في التشريح والتشخيص والجراحة وتركيب الدواء وكل ذلك مدون في موسوعات ضخمة ظلت المصدر الأول لنهضة الطب الحديث ولا تزال رافدا متجددا له وإجمالاً : ولدت أوربا ولادة جديدة ووجد لديها لأول مرة في تاريخها الشعور بأنها أمة واحدة تواجه عدواً أبدياً هو الإسلام ، وكانت طفولتها في ذلك العصر الذي سمي عصر النهضة أو الانبعاث الذي تعمّدت ألاَّ تجعله يبدأ تاريخياً بمعرفة الدين الرباني واكتشاف حضارته العظمى بل بلحظة الإبحار العكسي إلى الجاهلية الإغريقية واكتشاف أرسطو . إن ولادة أوربا في ظل الحروب الصليبية وشعورها بذاتها من خلالها هو الذي يفسر تلك التناقضات الصارخة التي يعيشها الفكر