بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
د أحمد علي دهمان أستاذ النقد الأدبي بجامعة البعث (حمص) عُبَيْدُ الله بنُ الحُرّ الجُعْفِي بين أناشيد البطولة وآلام الندم - دراسـة نقديـة - المقدمة: تتناول هذه الدراسة النقدية شعر عبيد الله بن الحرّ الجُعْفي الشاعر الفارس الذي عاش إبّان الحقبة الدامية من بداية العهد الأمويّ، حيث شهدت الدولة العربية الإسلامية اضطرابات كثيرة، وانقسامات سياسية حادة، وظروفاً عامة خطيرة، تجلت في ظهور الحركات الاستقلالية المتمثلة بحركة عبد الله بن الزبير في الحجاز وأخيه مصعب في العراق، التي هدفت إلى تثبيت "الأرستقراطية" القرشية في السلطة، وقيام حركة المختار الثَّقفي الشيعية التي نادت بإعادة الخلافة إلى آل علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، ودعت إلى قتال الأمويين الذين اغتصبوا الخلافة من الطالبيين، فضلاً عن حركة الخوارج الذين رفضوا كل سلطة لا تقيم شرع الله وحده... وشهدت هذه المرحلة كذلك بروز نزعات الموالي التي اتصفت فيما بعد بالشعوبية السياسية والدينية المعادية للعروبة والإسلام. مقابل ذلك كان الأمويون حزب السلطة والقوة الضاربة التي تقمع حركات الانفصاليين، والثائرين، والناقمين والمعارضين. وكانت أهم مظاهر الحياة السياسية في هذا العهد قضية ولاية العهد وتحول الملك من خلافة إسلامية قائمة على أساس من الشورى، إلى حكم ملكي استبداديّ وراثي، وعسْف الولاة، وضرب جيوش المناوئين التي هددت الخلافة في دمشق، وإثارة النعرات القبلية، وإيقاظ المشاعر العدائية بين العدنانيين والقحطانيين كي يتهيأ الاستقرار للحكومة الأموية. وكانت حركة الصعاليك نشيطة في هذه الحقبة، وقد كانت امتداداً لتلك التي ظهرت في الجاهلية، إلا أنها كانت في العهد الأموي أشد تنظيماً، وأوضح أهدافاً، وأكثر خطورة على السلطة، والتزاماً بالمبدأ، إذ إن طائفة من هؤلاء "الصعاليك" ثارت على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سادت آنذاك. على الرغم من أن الإسلام قد حلّ المشكلات التي ثار الصعاليك الجاهليون بسببها، إذ سوّى بين الناس، وكفل لهم حياة كريمة، وأحاط المجتمع بالحدود التي تحافظ على النظام، وتضرب بشدة على أيدي المنحرفين من لصوص وقطاع طرق وعابثين في الأرض. وتأثر بعض الصعاليك المخضرمين بالإسلام وتعاليمه، وأخذوا يصدرون عنها في أشعارهم التي نظموها بعد إسلامهم، مؤمنين بأن عهد الفوضى والظلم قد ذهب، وحل محله عهد الحق والعدل والخير. وتجلى العامل الاقتصادي في هذه الحقبة التاريخية المهمة في مظاهر الفساد السياسية، أضف إلى ذلك استئثار بعض عمال الدولة بأموال كانوا يفرضونها على الرعية أثقلت كاهلها، إلى جانب تظلم القبائل وأهل الأمصار من الحكومات المتعاقبة، وقد أدى ذلك إلى انقسام المجتمع إلى طبقتين بينهما بون شاسع: الأولى مترفة غنية، بيدها النفوذ والمال والجاه والإقطاعات، تتمثل في السلطة والولاة والحاشية والبطانة، والطبقة الثانية: الشعبية الفقيرة الكادحة المحرومة التي فُرضت عليها الواجبات وسُلبت أبسط حقوقها، ولهذا عمّ الاضطراب وما رافقه من قمع وقسوة، فألقى بظلاله الثقيلة على الحياة الاجتماعية التي عرفت نظام الرعي والأعراف القبلية السائدة، والتناحر بين القبائل، وما يرافق فترات التحول والانتقال- عادة- من تخلخل اجتماعي نتيجة لتغير بنية الحياة ومظاهرها ومرافقها. وقد حدث ذلك في بعض مراحل الدولة الأموية. ودفعت هذه الأوضاع بعض الناس إلى التصعلك، أو التمرد، أو الثورة، أو الانقضاض على الحكم، وكان الأدب وما يزال مسايراً للسياسة، بل إن العامل السياسي كان المحرك، والباعث المؤثر في الحياة الأدبية في القرن الأول للهجرة. وقد تجلى التحول الشعري الذي شهده العصر الأموي في تجربتين: الأولى، ذاتية فردية الأولوية فيها للعالم الداخلي للشاعر، دون عالم القيم الأخلاقية والاجتماعية، والثانية هي التجربة السياسية (الأيديولوجية) أي التوحيد بين الشعر والفكر، والنظر إلى الشعر على أنه شكل من أشكال الفكر، ورفض القول بوجوب اقتصاره على التعبير عن الانفعالات الشعورية. فالشعر عندها وسيلة لخدمة المبدأ، يبشّر به ويدعو له، أي إنه وسيلة جماعية لا فردية. وقد صنّف (أدونيس)^(^^) عبيد الله بن الحر بين شعراء التجربة الأولى (الذاتية)، في حين أن واقع الحال يفيد بأنه لم يكن كذلك، إذ عبر شاعرنا عن تجربة سياسية وحدت بين القول والفكر، فنظر إلى الشعر بوصفه شكلاً من أشكال الفكر، يعبر فيه عن إحساس عميق