بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
أن أي واحد من هؤلاء لم يضع تعريفاً نظرياً للبلاغة أو الفصاحة وإن مارسوها عملياً في أبحاثهم؛ ويظل ابن سنان الخفاجي فرداً في ذلك حين سعى جاهداً إلى وضع حدود للفصاحة والبلاغة؛ فالفصاحة في اللفظ المفرد؛ والفصاحة والبلاغة في اللفظ المؤلف. وهذا ما نتبينه فيما يأتي. القسم الثاني: فصاحة اللفظ وجماليته 1-فصاحة اللفظ المفرد في ضوء الدراسات البلاغية التي وصلت إلينا يتضح بجلاء أن الفصاحة تكون للفظ المفرد غالباً، بينما تكون البلاغة في اللفظ المفرد والمؤلف . ونرى أن فصاحة الكلمة تكمن فيها منفردة ومؤلفة ولكل منها أبوابه، فالفصاحة كما قال ابن سنان الخفاجي نعت للألفاظ إذا وجدت على شروط عدة؛ وكلها تكسبها جمالاً وبهاء وتأثراً في النفس. وهذا يدعونا إلى الحديث عن فصاحة اللفظ المفرد؛ في إطار جمالية الكلمة واستخدامها؛ وسنتحدث عن فصاحة اللفظ المؤلف في إطار جمالية الجملة. وإذا كان أصحاب البلاغة قد أرجعوا مفهوم البلاغة والفصاحة إلى جوهر اللفظ المفرد(44) في دلالته الوضعية فإنهم ذكروا له ثمانية أشياء؛ عرض لها ابن سنان في كتابه (سر الفصاحة): 1-أن تكون حروف الكلمة متباعدة المخارج . فالحروف أصوات تجري من السمع مجرى الألوان من البصر. فتقارب مخارج اللفظ يبعده عن الجمال كما في كلمة (الهُعْخع)، إذ روي عن الخليل قوله: "سمعنا كلمة شنعاء هي (الهُعْخع) وأنكرنا تأليفها". ويرجع ابن سنان قبح هذه الكلمة إلى تقارب مخارج حروفها، فهي (حلقية) يستقبح لفظها في النغم والإيقاع، ومثلها كلمة "مستشزرات" في قول امرئ القيس: غدائره مُسْتشزراتٌ إلى العلا تضل العقاصُ في مثنَّى ومُرْسَلِ فمخارج حروف كلمة (مستشزرات) متقاربة، فأكثرها يخرج من الأسنان . وعلق على ذلك ابن سنان بقوله: "وأنت تدرك هذا وتستقبحه كما يقبح عندك بعض الأمزجة من الألوان، وبعض النغم من الصوت."(45) وهو في هذا الشرط عالة على الجاحظ وابن جني وآراء الخليل الموزعة في (الكتاب) لسيبويه، والرماني.(46) 2-التأليف المختار لبناء الحروف المتباعدة في الكلمة؛ سواء تساوت أم لا. فالتباعد في مخارج حروف الكلمة يعطيها جمالاً بلا شك ولكن التأليف المخصوص لها يمنحها مزية في التصور وفي التأثير النفسي، فلفظ عذب وعُذيب، من الألفاظ المتباعدة المخارج، وهي حسنة الوقع، ولكن تقديم الباء على الذال يفسدها. وكل منا يدرك أن كلمة غُصن وفنن أجمل من كلمة (عُسْلوج)، وإن كانت الكلمات الثلاث متباعدة مخارج الحروف . فالعبرة في التأليف المخصوص لهذه الكلمات ومما وقع من الألفاظ الكريهة التأليف في شعر المتنبي (الجِرشَّى) وتعني (النفس) في قوله: مباركُ الاسْمِ أغَرُّ اللقَبْ كريمُ الجِرِشَّى شريفُ النَّسبْ وقد أفاد بهذا من أبي هلال العسكري والخطابي خاصة.(47) 3-ألا تكون الكلمة غريبة متوعرة أو وحشية. تقع الغرابة والتوعر في الاستعمال وكثرته، أو في بنية الكلمة، أو بيئتها؛ أو موضوعها، أو ثقافة أهلها . وقد شغلت الغرابة أذهان علماء اللغة والبلاغة، ومنهم من قسمها إلى قسمين: غريب حسن، وغريب قبيح.(48) ومهما يكن من أمر فالغرابة في الألفاظ مسألة اعتبارية محكومة بالمتلقي وثقافته وصلته باللغة وآدابها، ومعرفة عصرها وبيئتها . أما غرابة استعمال كلمة ما فمثالها (كهل) الواقعة في قول بعض الهذليين. فهي ليست كريهة التأليف لكن استعمالها نادر وغريب مما يؤدي إلى احتياج المتلقي إلى المعجمات لمعرفتها. فالكهل في البيت الآتي (الضخم) ولا يعرفها إلا مثل الأصمعي؛ وهو لأبي خراش الهذلي (ت نحو 15هـ): فلو أنَّ سلمى جارَهُ أو أجارَهُ رياحُ بنُ سَعْدٍ ردَّهُ طائرٌ كهلُ وقد عاب البلاغيون وخبراء اللغة على جرير استعماله لكلمة (بوزع) في قوله: وتقول بَوْزَعُ: قد دببتَ على العصا هلا هَزئتِ بغيرنا يا بوزَعُ وروي أن الوليد بن عبد الملك قال له: أفسدت شعرك بـ"بَوْزَع". وقد يكون بناء الكلمة أو مدلولها غريباً عن الاستعمال العرفي أو النحوي، أو الصرفي أو مخالفة القياس كما في قولنا: عَبْشمي في عبد شمس، وجمع غازٍ على غُزًّى؛ أو أن يكون توعرها من اشتقاقها غير الشائع كما في كلمة (مِيْتاء) على وزن مِفْعال من الإتيان . التي وردت في الحديث النبوي [لولا أنه طريق ميتاء لحزنا عليك يا إبراهيم](49) وميتاء؛ أي مسلوكة.