بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
أصلا لما يأتى بعدها وإما لأنه في بيانه طرق الاستدلال على أصول الدين أشبه بالمنطق في تبيينه مسالك الحجة في علوم أهل النظر وأبدل المنطق بالكلام للتفرقة بينهما هذا النوع من العلم علم تقرير العقائد وبيان ما جاء في النبوات كان معروفا عند الأمم قبل الإسلام ففى كل أمة كان القائمون بأمر الدين يعملون لحفظه وتأييده وكان البيان من أول وسائلهم إلى ذلك لكنهم كانوا قلما ينحون في بيانهم نحو الدليل العقلى وبناء آرائهم وعقائدهم على ما في طبيعة الوجود أو ما يشتمل عليه نظام الكون بل كانت منازع العقول في العلم ومضارب الدين في الإلزام بالعقائد وتقريبها من مشاعر القلوب على طرفى نقيض وكثيرا ما صرح الدين على لسان رؤسائه أنه عدو العقل نتائجه ومقدماته -------------------- 6 فكان جل ما في علوم الكلام تأويل وتفسير وإدهاش بالمعجزات أو إلهاء بالخيالات يعلم ذلك من له إلمام بأحوال الأمم قبل البعثة الإسلامية جاء القرآن فنهج بالدين منهجا لم يكن عليه ما سبقه من الكتب المقدسة منهجا يمكن لأهل الزمن الذى أنزل فيه ولمن يأتى بعدهم أن يقوموا عليه فلم يقصر الاستدلال على نبوة النبى صلى الله عليه وسلم بما عهد الاستدلال به على النبوات السابقة بل جعل الدليل في حال النبى مع نزول الكتاب عليه في شأن من البلاغة يعجز البلغاء عن محاكاته فيه ولو في مثل أقصر سورة منه وقص علينا من صفات الله ما أذن الله لنا أو ما أوجب علينا أن نعلم لكن لم يطلب التسليم به لمجرد أنه جاء بحكايته ولكنه أقام الدعوى وبرهن وحكى مذاهب المخالفين وكر عليها بالحجة وخاطب العقل واستنهض الفكر وعرض نظام الأكوان وما فيها من الأحكام والأتقان على أنظار العقول وطالبها بالإمعان فيها لتصل بذلك إلى اليقين بصحة ما أدعاه ودعا إليه حتى أنه في سياق قصص أحوال السابقين كان يقرر للخلق سنة لا تغير وقاعدة لا تتبدل فقال سنة الله التى خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا وصرح إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله واعتضد بالدليل حتى في باب الأدب فقال ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وتآخى العقل والدين لأول مرة في كتاب مقدس على لسان نبى مرسل بتصريح لا يقبل التأويل وتقرر بين المسلمين كافة إلا من لاثقة بعقله ولا بدينه أن من قضايا الدين مالا يمكن الاعتقاد به إلا من طريق العقل كالعلم بوجود الله وبقدرته على إرسال الرسل وعلمه بما يوحى به إليهم وإرادته لاختصاصهم برسالته وما يتبع ذلك مما يتوقف عليه فهم معنى الرسالة وكالتصديق بالرسالة نفسها كما أجمعوا على أن الدين إن جاء بشىء قد يعلو عن الفهم فلا يمكن أن يأتى بما يستحيل عند العقل جاء القرآن يصف الله بصفات وإن كانت أقرب إلى التنزيه مما وصف -------------------- 7 به في مخاطبات الأجيال السابقة فمن صفات البشر ما يشاركها في الإسم أو فى الجنس كالقدرة والاختيار والسمع والبصر وعزا إليه أمورا يوجد ما يشبهها في الإنسان كالاستواء على العرش وكالوجه واليدين ثم أفاض في القضاء السابق وفى الاختيار الممنوح للإنسان وجادل الغالين من أهل المذهبين ثم جاء بالوعد والوعيد على الحسنات والسيئات ووكل الأمر في الثواب والعقاب إلى مشيئة الله وأمثال ذلك مما لا حاجة إلى بيانه في هذه المقدمة فأعتبار حكم العقل مع ورود أمثال هذه المشابهات في النقل فسح مجالا للناظرين خصوصا ودعوة الدين إلى الفكر في المخلوقات لم تكن محدودة بحد ولا مشروطة بشرط للعلم بأن كل نظر صحيح فهو مؤد إلى الاعتقاد بالله على ما وصفه بلا غلو في التجريد ولا دنو من التحديد مضى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وهو المرجع في الحيرة والسراج في ظلمات الشبهة وقضى الخليفتان بعده ما قدر لهما من العمر في مدافعة الأعداء وجمع كلمة الأولياء ولم يكن للناس من الفراغ ما يخلون فيه مع عقولهم ليبتلوها بالبحث في مبانى عقائدهم وما كان من اختلاف قليل رد إليهما وقضى الأمر فيه بحكمهما بعد استشارة من جاورهما من أهل البصر بالدين إن كانت حاجة إلى الاستشارة وأغلب الخلاف كان