بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الزهرى بتدوين ما وصل إليه من الحديث وهو أول من جمع الحديث ثم لم يقف الخلاف عند المسألتين السابقتين بل امتد إلى إثبات صفات المعانى للذات الإلهية أو نفيها عنها وإلى تقرير سلطة العقل في معرفة جميع الأحكام الدينية حتى ما كان منها فروعا وعبادات غلوا في تأييد خطة القرآن أو تخصيص تلك السلطة بالأصول الأولى على ما سبق بيانه ثم غالى آخرون وهم الأقلون فمحوها بالمرة وخالفوا في ذلك طريقة الكتاب عنادا للأولين وكانت الآراء في الخلفاء والخلافة تسير مع الآراء في العقائد كأنها مبنى من مبانى الاعتقاد الإسلامى -------------------- 10 تفرقت السبل باتباع واصل وتناولوا من كتب اليونان مالاق بعقولهم وظنوا من التقوى أن تؤيد العقائد بما أثبته العلم بدون تفرقة بين ما كان منه راجعا إلى أوليات العقل وما كان سرابا في نظر الوهم فخلطوا بمعارف الدين مالا ينطبق على أصل من أصول النظر ولجوا في ذلك حتى صارت شيعهم تعد بالعشرات أيدتهم الدولة العباسية وهي في ريعان القوة فغلب رأيهم وابتدأ علماؤهم يؤلفون الكتب فأخذ المتمسكون بمذاهب السلف يناضلونهم معتصمين بقوة اليقين وإن لم يكن لهم عضد من الحاكمين عرف الأولون من العباسيين ما كان من الفرس في إقامة دولتهم وقلب دولة الأمويين واعتمدوا على طلب الأنصار فيهم وأعدوا لهم منصات الرفعة بين وزرائهم وحواشيهم فعلا أمر كثير منهم وهم ليسوا من الدين في شيء وكان فيهم المانوية واليزدية ومن لادين له وغير أولئك من الفرق الفارسية فأخذوا ينفثون من أفكارهم ويشيرون بحالهم وبمقالهم إلى من يرى مثل آرائهم أن يقتدوا بهم فظهر الإلحاد وتطلعت رءوس الزندقة حتى صدر أمر المنصور بوضع كتب لكشف شبهاتهم وإبطال مزاعمهم فيما حوالى هذا العهد كانت نشأة هذا العلم نبتا لم يتكامل نموه وبناء لم يتشامخ علوه وبدأ علم الكلام كما انتهى مشوبا بمبادىء النظر في الكائنات جريا على ما سنه القرآن من ذلك وحدثت فتنة القول بخلق القرآن أو أزليته وانتصر للأول جمع من خلفاء العباسيين وأمسك عن القول أو صرح بالأزلية عدد غفير من المتمسكين بظواهر الكتاب والسنة أو المتعففين عن النطق بما فيه مجاراة البدعة وأهين في ذلك رجال من أهل العلم والتقوى وسفكت فيه دماء بغير حق وهكذا تعدى القوم حدود الدين باسم الدين على هذا كان النزاع بين ما تطرف من نظر العقل وما توسط أو غلا من الإستمساك بظاهر الشرع والكل على وفاق على أن الأحكام الدينية واجبة -------------------- 11 الإتباع ما تعلق منها بالعبادات والمعاملات وجب الوقوف عنده وما مس بواطن القلوب وملكات النفوس فرض توطين النفس عليه وكان وراء هؤلاء قوم من أهل الحلول أو الدهريين طلبوا أن يحملوا القرآن على ما حملوه عند التحاقهم بالإسلام وأفرطوا في التأويل وحولوا كل عمل ظاهر إلى سر باطن وفسروا الكتاب بما يبعد عن تناول الخطاب بعد الخطأ عن الصواب وعرفوا بالباطنية أو الإسماعيلية ولهم أسماء أخر تعرف في التاريخ فكانت مذاهبهم غائلة الدين وزلزال اليقين وكانت لهم فتن معروفة وحوادث مشهورة مع اتفاق السلف وخصومهم في مقارعة هؤلاء الزنادقة وأشياعهم كان أمر الخلاف بينهم جللا وكانت الأيام بينهم دولا ولا يمنع ذلك من أخذ بعضهم عن بعض واستفادة كل فريق من صاحبه إلى أن جاء الشيخ أبو الحسن الأشعرى في أوائل القرن الرابع وسلك مسلكه المعروف وسطا بين موقف السلف وتطرف من خالفهم وأخذ يقرر العقائد على أصول النظر وارتاب في أمره الأولون وطعن كثير منهم على عقيدته وكفره الحنابلة واستباحوا دمه ونصره جماعة من أكابر العلماء كأبى بكر الباقلانى وإمام الحرمين والإسفراينى وغيرهم وسموا رأيه بمذهب أهل السنة والجماعة فانهزم من بين أيدى هؤلاء الأفاضل قوتان عظيمتان قوة الواقفين عند الظواهر وقوة الغالين في الجرى خلف ما تزينه الخواطر ولم يبق من أولئك وهؤلاء بعد نحو من قرنين إلا فئات قليلة في أطراف البلاد الإسلامية